التربية كبناء بيت
التربية كبناء بيت
يحمل الشيخ علي الطنطاوي صفات المُربي المثالي، حيث يتعامل مع التربية كبناء له دعائم وأساسات من أهمها “بناء الإيمان العميق وزرع الإحساس بمراقبة الله”، حيث إننا لو أردنا بناء ناطحة سحاب لاحتجنا إلى أساس قوي ومتين، وهذا هو الأصل في الدين، أن يكون الطفل عميق الإيمان قوي البُنيان يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا لا لبس فيه ولا اعوجاج.
ومرحلة البناء هذه تبدأ منذ الطفولة الأولى، ويجب فيها على المُربي أن يستغل كل موقف وكل حدث لغرس هذه المبادئ، ولا ينجح في ذلك إلا أن يكون هو نفسه على بيِّنة وفهم صحيح للدين بحلاله وحرامه، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة بناء الحوائط ووضع الشبابيك، وهي في التربية تمثل السُّنن المؤكدة التي ينبغي أن نشجع أبناءنا عليها، ثم تأتي مرحلة التشطيبات، حيث يتم كل فرد بناء بيته على حسب ذوقه، فمنهم من يريد دخول الجنة فقط، ومنهم من يريد الدرجات العُلى من الجنة، بالإضافة إلى أن الناس يتفاوتون في القدرات، لذلك كانت الجنة من عدة أبواب ليدخل كل مسلم من الباب الذي يناسب عمله.
كان الجد قدوة في كل ما يفعله، وكان يهتم اهتمامًا شديدًا بالحلال والحرام، ويراقبهم حتى في الوضوء، وبدأ في أيام الطفولة الأولى بتنبيه الأطفال إلى وجود الله وقدرته العظيمة، مراعيًا إدراك البنت وقدرتها على الفهم في كل مرحلة، مستغلًا المواقف المناسبة، فإذا طلبت إحداهن منه شيئًا قال لها: “اطلبيه من الله”، وبعد ذلك يلبي لها طلبها ويخبرها بأن الله قد استجاب لها وجعله سببًا في هذا.
الفكرة من كتاب هكذا ربَّانا جدي علي الطنطاوي
تقول المؤلفة إن “التربية بالقدوة لا يعادلها تربية، أن يراك طفلك وقد طابقت أقوالك أفعالك، وصرت أنت المبادئ التي تحثُّهم على امتثالها، فلن يضيع الله ذريتك وأنت على الخُلق القويم تسير”.
سيجعلك هذا الكتاب ترى الشيخ علي الطنطاوي من منظور آخر غير الذي اعتدناه، فنحن نعرف على الطنطاوي الداعية والمفكر وعالم الإسلام الكبير، ولكننا لم نره في حُلة الجد العطوف والمُربي الداعم والموجِّه المبدع – الذي جمع بين أوامر الدين ومعاصرة الحياة – إلا هنا على لسان حفيدته، فقد كان لهم تجسيدًا صادقًا عما أرادهم أن يصيروه، ولم يترك موقفًا يمر دون أن يبذر فيهم بذرة خُلُق.
مؤلف كتاب هكذا ربَّانا جدي علي الطنطاوي
عابدة المؤيد العظم: مفكرة إسلامية وباحثة ومؤلفة في الفكر والتربية والفقه والقضايا الاجتماعية، حصلت على ماجستير في الشريعة والتخصص في الفكر الإسلامي عنوان الرسالة “أزمة الهوية” 2016، وهي أستاذة لمادة فقه العبادات وفقه الأسرة والاقتصاد الإسلامي والتربية الإسلامية، وتسعى لنشر الوعي الاجتماعي وإصلاح العلاقات والتربية وفهم المراحل العمرية المختلفة، وهذا ما يبرز في كتبها مثل: “هكذا يفكِّر الصغار”، و”المراهقة وهم أم حقيقة؟”، وكتاب “لئلا يتمرد أولادنا”.