التربية الاستقلالية والأنا
التربية الاستقلالية والأنا
في هذا الكتاب يركِّز المؤلف على حقيقة في غاية الأهمية، وهي أن أولادنا ميالون بطبعهم إلى الاستقلالية، وأن طريقة تعاملنا معهم وردود الأفعال التي نتخذها بغير عناية، هي التي تجعل منهم أشخاصًا اتكاليين غير فعالين لأنفسهم أو للمجتمع، فالطفل منذ سن الثالثة يتنامى بداخله شعور الأنا، ويبدو ذلك واضحًا في رغبته بالقيام بأبسط الأفعال وحده، واستخدامه لبعض الألفاظ دون غيرها، مثل قوله: “أنا لا أرغب في ذلك”.
ويطلق علماء النفس على الفترة العمرية بين السنتين الثانية والثالثة “دور التأزم”، حيث يظهر الصراع بين تحكمات المربي وبين رغبات الطفل الخاصة، والتي يعبر عنها عادةً بطريقة حادة نتيجة بزوغ شعور الاستقلالية والأنا، ومن هنا يعتقد الآباء في تصنيف ابنهم على أنه غير مطيع أو مشاكس، في حين أن كل ما في الأمر أنهم لم يتفهموا طبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها صغيرهم، وهذه الفترة العمرية تقتضي نشاطًا متزايدًا لدى الأطفال.
وينصح الكاتب بتوجيه مهام بسيطة مناسبة للطفل، كما يجب أن تُترك له مساحة مقبولة من اتخاذ القرارات بما لا يضره، فمثلًا إذا أرادت الأم من طفلها شراء مستلزمات للمنزل، فلا ينبغي أن تطلب منه النزول في اللحظة التي يستمتع فيها باللعب، بينما تخبره مسبقًا بطلبها وتترك له اختيار موعد النزول للشراء، فهنا يتحوَّل من طفل عنيد وكسول إلى طفل مستعد لتلبية الأمر، بل وفخور بممارسته للمسؤولية.
ويجب أن يحرص المربي على إقناع الطفل بتفسيرات أفعاله، وهذا السلوك يعزِّز شعور الطفل بالقبول والاحترام، ويشجِّعه على التعامل بالمنطق، كما أنه يسهل عليه تقبُّل توجيهات الأهل، وعلى الصعيد الآخر فإنه يحمي الآباء من خطر استعمال السلطة الأبوية لأجل إرضاء الأنا وفرض الذات، ويعزِّز تعاملهم مع الأبناء على أسس موضوعية متجرِّدة من أي أهواء، ويجب أن يلتزم الآباء بالإنصاف في توجيهاتهم دون مبالغة.
الفكرة من كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
يفتح هذا الكتاب أعين المربي على بعض الحقائق التي يجب أن يراعيها أثناء عملية التربية، فالتربية ليست علاقة من طرف واحد، وإنما هي عملية تبادلية يتأثر فيها كل طرف بالآخر، ويتعلم فيها الطفل من أبويه والعكس، وإننا نربي أبناءنا مقابل تربيتهم لنا، فالابن قادر على إتمام تربية والديه وإرشادهما بشكل غير مباشر، ولكن تظل العلاقة تحت قيادة المربي.
ويؤكد الكاتب أن الابن ليس خادمًا مجانيًّا، وإنما هبة من الله، وقدر معقول من السلطة الأبوية ضروري لبث شعور الأمن والطمأنينة في نفوس أطفالنا، وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب مقتضيات تربية طفل على الاستقلال وحيثياتها وآثارها الإيجابية في الطفل وفي أبويه، وفي المقابل يعرض الآثار الناتجة عن تربية طفل مطيع لا يناقش، فالآباء الذين يختارون التربية على الطاعة لا النقاش، إنما مالوا إلى هذا الاختيار لتنشئة أبناء قادرين على الاندماج في المجتمع بسهولة ودون معاناة تُذكر.
ويدور الكتاب حول سؤال مركزي؛ ألا وهو: هل نربي أطفالنا على الاستقلال ليناقشونا في كل أوامرنا، أم نربيهم على الطاعة المطلقة دون نقاش؟ ويرى الكتاب أننا يجب أن نقاوم فكرة خلق جيل مماثل لآبائه لا يملك القدرة على التعبير عن نفسه والتصريح بمشاعره وكينونته، وإنما يجب على الآباء والأمهات أن يستسلموا لحقيقة أن أطفالهم سيختارون طريقهم الخاص دون الحاجة إلى جهد خارق من الأبوين.
مؤلف كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
عبدالعزيز الخضراء: كاتب وباحث في المجال التربوي ومستشار أسري، عمل مدرسًا لمادة الرياضيات ثم تخصَّص في أبحاث التربية والتعليم لإيمانه بقدسية مهنة التعليم، مهتم بالإدارة التربوية وترسيخ المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية التي تستهدف إنشاء جيل مبدع صالح وسوي نفسيًّا.
نشر العديد من المقالات في عدة مجلات وصحف تربوية متخصصة، ويعد هذا الكتاب ضمن سلسلة أصدرها الكاتب تحت عنوان “نحن وأبناؤنا”، والتي تتناول عدة كتب أخرى؛ مثل: “الآباء والتربية المعاصرة”، و”التكامل التربوي بين البيت والمدرسة”، و”الأمومة مسؤولية فكيف تمارسينها”، وغيرها من المؤلفات.