التحديث وأثره
التحديث وأثره
كانت حالة الترهل التي أصابت مؤسسة الخلافة بمثابة ناقوس الخطر لاستنفار جميع الجهود في جميع ديار الإسلام، سواء للحفاظ على الكيان السياسي الجامع قبل سقوطه، أو القيام ببعض وظائفه المعطلة، أو لإعادة تأسيس الكيان السياسي، وذلك بعد إلغائه، وأخذت هذه الحركات على عاتقها واجب الحفاظ على القيم الإسلامية وإعادة الإسلام إلى مركزه وتحكم شرع الله في أرضه وإعادة إحياء دولة الخلافة، فنادت بالجهاد وبدولة الإسلام.
وكانت التنشئة الإيمانية والأخلاقية وقيم الجهاد ومفهوم الأمة المكلَّفة من قبل الله (عز وجل) هي الشغل الشاغل لجميع قطاعات الأمة، الأمر الذي تحوَّل على نحو جذري في نموذج الدولة القومية؛ حيث أصبح قيامُ الكيان السياسي وبقاؤه في ذاته، هو النطاق المركزي؛ لذا يمكن تجميد أي نشاط للأمة- ولو كان الجهاد مثلًا- في سبيل الحفاظ على الدولة وتماسكها، بل يمكن التضحية بأي جزء من الأمة في مقابل الحفاظ على وجود النظام، أو الدولة يضًا!
وكلما زادت درجات التحديث أصبحت الحركات والتنظيمات والجماعات الإسلامية متشرِّبة لفكرة النطاق المركزي المتعلِّق بالدولة القومية الحديثة لا بالنطاق المركزي المتعلِّق بوظائف الخلافة، وذلك بالحفاظ على الدولة القائمة، ولكن مع تطويعها لقيادة جديدة! وعلى الرغم من أن كثيرًا منها نشأ غير مشوَّه بالكلية، بل رافضًا في جزء كبير من أدبياته لفكرة القومية أو القطرية، وما تبعها من نطاقات ثانوية، فإنه ما لبث أن غلب عليه الواقع الذي ولد فيه، فالإنسان ابن بيئته، ومعظم هذه الحركات هي بنت الحداثة.
الفكرة من كتاب إسلام السوق
في القرون الماضية كان الإسلام العامل المحدِّد لكل المجالات على الأراضي الإسلامية، وهو المؤثر فيها باعتبارها خاضعة له لا العكس، وعلى الرغم من الاتفاق على أن الإسلام واحد لا يتبدَّل ولا يتغيَّر باعتباره شريعة إلهية، فقد بدأت تظهر بعض الاختلافات في فَهمه وفهم تأويلاته وتنزيلها على أرض الواقع فيما يُعرف بالتدين، نتيجة لاختلاف الثقافات ومدى قربها وبعدها عن أرض المنبع، لكن ظل الإسلام العامل الحاسم في تنظيم المجتمع وإدارته وسن قوانينه واتباع أحكامه، وهو العامل الحاسم في إضفاء الشرعية على الحكم السياسي للبلاد واعتبارها “دولة إسلامية” إن صح التعبير عن ذلك بمفهوم “دولة”، وهو ما يسلِّط هذا الكتاب الضوء عليه.
مؤلف كتاب إسلام السوق
باتريك هايني Patrick Haenni: باحث سويسري في العلوم الاجتماعية، وباحث سابق في مركز الدراسات والتوثيق القانوني(CEDJ) بالقاهرة، وباحث سابق في مرصد الأديان بسويسرا، وعمل بمنصب مستشار شؤون الشرق الأوسط في مركز (الحوار الإنساني)، وصدر له كتاب “ما بعد الإسلام السياسي” بالاشتراك مع أوليفييه روا، وكتابا “نظام الأعيان”، و”معارك حول الإسلام في الغرب”.
يمثل باتريك هايني جيلًا جديدًا من أجيال الإسلامولوجيين (المهتمين بالظاهرة الإسلامية)، وهو جيل يحرص أشد الحرص على الموضوعية العلمية والدراسة الوصفية والتحليلية البعيدة عن أي توظيف سياسي، وقد قضى وقتًا طويلًا في مصر وأقطار أخرى من العالم الإسلامي، وله صلات علمية وطيدة مع بعض التيارات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، فعاش حينًا من الدهر في القاهرة دارسًا، وتعلم اللغة العربية وتعرَّف من كثب على الإسلاميين، وتعرَّف أيضًا على الإسلاميين الإندونيسيين والأتراك.