التجربة السياسية الأولى للصحابة
التجربة السياسية الأولى للصحابة
تُوفي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولم يُحدِّد خليفته في المُسلمين من بعده، فخلق فراغًا سياسيًّا وكان ذلك أخطر ما قد يواجهه المجتمع المُسلم حينها، ولكن هذا الغياب النبوي قد منح فرصة لامتحان التعاليم النبوية، فالمجتمع المسلم حينها كان مُكوَّنًا من الأنصار، متمثلين في الأوس والخزرج، بالإضافة إلى بني عبد مناف وبني هاشم والمهاجرين.
بدأت المبادرات لسد ذلك الفراغ السياسي بالأنصار حين اجتمعوا لاختيار أمير منهم، وذلك وفقًا للتقاليد الدارجة في جزيرة العرب، كما أنهم شعروا بسبقهم في الإسلام وفي حماية رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لكن انقسم الأنصار بين من يرى اقتسام السلطة مع المهاجرين، وبين التفرد بها دون الناس، فاندفعوا إلى اختيار مرشح لهم من الأوس أو من الخزرج، وفي هذه الأثناء أدرك أبو بكر الصديق وعمر وأبو عبيدة (رضي الله عنهم)، وهم قادة المهاجرين، خطر تفرُّد الأنصار بالتشاور حول منصب الرئاسة، فعاجلوهم في سقيفتهم وبدأت المفاوضات، ولم تكن المسارعة من أجل المنصب، بل كانت سعيًا لجمع الكلمة قبل أن تتفرَّق باجتهاد خطأ، فبدأ عمر بن الخطَّاب بترشيح أبي بكر الصديق لقيادة الدولة، وتتابع الناس بعده، فانتهى الجمع بمبايعة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) خليفة، فكانت هذه المفاوضات قائمة على التحاور والتشاور، وهي الأسس التي زرعها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في قومه.
ومن المهم الالتفات إلى طريقة أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) في إدارة الحوار، فبدأ حديثه بالثناء على الأنصار، ولم يعتبر فعلهم تحريضًا، لم يرمهم بالضلال أو انتقص مكانتهم، ولم يقدِّم نفسه مُرشحًا رئاسيًّا، ولم يعتبر تقديمه في الصلاة يستوجب تقديمه في خلافة المسلمين، بل تحاور وتشاور معهم حتى قدَّمه عمر بن الخطاب فاتفق الأنصار على تقديمه، فتمَّت التجربة السياسية الأولى دون تسلط أو عنف أو وراثة للحكم، بل تمَّت تحت الرغبة في الوحدة السياسية والاجتماعية، وتحت ظلال الشورى.
الفكرة من كتاب تفكيك الاستبداد
كيف قامت الخلافة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)؟ وما منزلة مبدأ الشورى في الإسلام، وما صلاحيات الحاكم على المُسلمين، وكيف تنصح الأُمَّة حُكَّامها؟ من خلال هذا الكتاب يسعى الكاتب إلى تصدي المُلك الجبري، وتفكيك تأصيلاته المنسوبة للشرع، وذلك عن طريق تفكيك مشروعية الاستبداد والفقه المُسيَّس، وتوضيح آثار ذلك على الشرعية والأمة.
مؤلف كتاب تفكيك الاستبداد
محمد العبد الكريم: أستاذ أصول الفقه بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، شارك في تدريس مقاصد الشريعة والقواعد الفقهية لطلاب الدراسات العليا بالمعهد العالي للقضاء، كما شغل منصب مستشار بهيئة حقوق الإنسان سابقًا، شارك بعدَّة مقالات في جريدة “المحايد” و”الإسلام اليوم” ومجلة “العصر”، ومن مؤلفاته: “صحوة التوحيد: دراسة في أزمة الخطاب السياسي الإسلامي” و”الاحتساب المدني: دراسة في البناء المقاصدي للاحتساب”.