التتبع الذاتي وكشف الكذب
التتبع الذاتي وكشف الكذب
أسهم وجود وسائل التواصل الاجتماعي والتطور السريع للتكنولوجيا في ظهور نوع جديد من الممارسات كانت تُعد في ما مضى سُلوكًا شاذًّا، بيد أنها الآن صارت أمرًا مُعتادًا، وهي إخضاع الذات للقياس الكمي، كما أن صحفي المجال التقني “جاري وولف”، الذي يُعد من مؤسسي هذه الحركة، نشر عام 2010م مقالًا يوضح الأسباب التي تجعل هذه الحركة ذات جدوى خصوصًا في عصرنا التقني، فهو يرى أن أغلب المشكلات تنشأ نتيجة عدم قدرتنا على فهم أنفسنا بصورة أفضل من خلال الأدوات التقليدية للقياس، وأن هذه الطرائق تخضع للخطأ، الذي لن يحدث في حال استخدام القياس الكمي الذي يعتمد على الآلة، فهي تُظهر أرقامًا دقيقة يمكن للفرد الاعتماد عليها بدلًا من استخدام الكلام والكتابة، مُرفِقًا في مقالته إشارة إلى شركة فيتبيت | Fitbit بكونها ستطلق هذا النوع من الأجهزة الذي سيستخدم في التتبع الذاتي، وبالفعل أطلقت الشركة عام 2009م جهازًا يحسب عدد الخطوات، والسعرات الحرارية المُستهلكة
وجودة النوم على هيئة مشبك يثبت في جيب السروال أو الحزام، وفي عام 2013م بدأت وضع جهاز الاستشعار في أربطة بلاستيكية ملونة وربطها بالهواتف الذكية، وباتت تلك الصورة هي السمة السائدة لأجهزة “القياس الكمي للذات”، وبالرغم من ظهور شركات منافسة لمنتجات شركة فيتبيت، فقد ظلت جاذبة لملايين من الأشخاص، ولعل السبب يرجع إلى ثقافة الشركة التي تنشرها حول أن اللياقة البدنية لا تتعلق بعدد الساعات التي نقضيها في مراكز تدريب اللياقة، وإنما بكل يوم وساعة ودقيقة في حياتنا، وقد اشتهر عن أجهزة فيتبيت أنها أداة كاشفة للكذب بعد القضية التي وقعت عام 2015م، إذ ادّعت سيدة من ولاية “بنسلفانيا” أن شخصًا مجهولًا اعتدى عليها جنسيًّا في أثناء نومها في منزل رئيسها بالعمل، وتصادف أنها تلك الليلة كانت ترتدي سِوار فيتبيت، وبعد أخذ إذنها بتحليل البيانات التي سجلها السوار، أظهرت النتائج أن ذبذبات جسدها في ذلك الوقت تدل على أنها كانت يقظة نشيطة في تلك الساعات التي ادعت وقوع الجريمة فيها، فرُفِضَت دعواها وحُكِمَ عليها بغرامة مالية بسبب تقديم اتهام خطأ، وظهر أحد التعليقات عن أن أدوات التتبع الذاتي يمكن أن تعد أجهزة كشف كذب ذات قدرة شاملة وتعمل دون ثغرات.
الفكرة من كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
نعيش اليوم في عصر مليء بالاختراعات التي لم نُفكر يومًا “من أين أتت؟ وماذا كان الهدف من وجودها؟ وهل حقًّا علينا التخوف من التقدم السريع للتكنولوجيا الذي يؤدي إلى وجود سلطة “الأخ الكبير”، التي ذكرها الكاتب جورج أورويل في روايته “1984”، أم علينا أن نستمع إلى الدعوة القائلة إن سلطة المراقبة انتهت بنشأة الثقافة الرقمية؟”.
هذه الأسئلة والمخاوف نجدها في كتابنا، إذ يقدم إلينا الكاتب الحقيقة حول التقدم التكنولوجي السريع، وحقيقة السلطة الرقابية التي يتعرض لها الجميع.
مؤلف كتاب عصر نهاية الخصوصية: انكشاف الذات في الثقافة الرقمية
أندرياس برنارد: أستاذ الدراسات الثقافية في جامعة لوفانا في لونبورج بألمانيا، ورئيس مركزها للثقافات الرقمية، درس النقد الأدبي والدراسات الثقافية في ميونيخ، وكان مساعد باحث في جامعة باوهاوس فايمار وفي جامعة كونستانس، مهتم بالتأليف في تاريخ الاختراعات، ومن كُتبه:
“Lifted: A Cultural History of the Elevator”
“Theory of the Hashtag”
معلومات عن المترجم:
سمر منير: مترجمة لها ترجمات عديدة في مختلف المجالات، منها:
كتاب “الشاي: ثقافات – طقوس – حكايات” لكريستوف بيترز.
رواية “ف. و. م. و. Fear Of Missing Out” لألموت تينا شميدت.