التاريخ الكبير والتاريخ الصغير
التاريخ الكبير والتاريخ الصغير
تشير كلمة التاريخ بصفة عامة إلى جملة الأحداث التي ظهرت في الحياة البشرية، أما علم التاريخ فهو فرع معرفي يهتمُّ بتسجيل أحداث الماضي في تسلسلها وتعاقبها، ثم تصنيفها وتفسيرها عن طريق إبراز الترابط بين هذه الأحداث، وتوضيح علاقات السببية بينها، فيجيب التاريخ عن أسئلة: ماذا حدث؟ ومن قام بالحدث؟ ولماذا حدث؟ والتاريخ -حسب ابن خلدون- فن عزيز يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والقرآن في أكثر من موضع يحضُّنا على النظر في أحوال الأمم السابقة لاستخلاص العبر، فيقول الله سبحانه وتعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.
ويمكن تصنيف التاريخ إلى صنفين، لكلٍّ منهما هدف ووظيفة يُستخدَم لأجلها؛ الصنف الأول يُسمَّى بالتاريخ الصغير، ويشمل عادةً أخبار الملوك والسلاطين والقصور، وما يدور فيها من مؤامرات وصراعات على السلطة من ناحية، وما فيها من حديث عن النساء والترف والجنس والمال من ناحية أخرى، ويهدف هذا الصنف إلى تحطيم معنويات الأمة، وتقزيم دورها، والتقليل من شأنها، ويصر عدد من المستشرقين على تصدير هذا النوع إلى التاريخ الإسلامي ليشيع في نفس شعوب المسلمين استصغارًا لأنفسهم، وقابلية لاستعمارهم، أما الصنف الثاني فهو التاريخ الكبير الذي يتناول حركة المجتمع والناس، ويرصد إنجازاتهم في المجال السياسي والاقتصادي والعسكري وحتى الثقافي، وهنا يوظَّف التاريخ الكبير لرفع الروح المعنوية للشعوب، وإشعارهم بعظمة تاريخهم، وقدرتهم على التغيير للأفضل.
الفكرة من كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
يُعدُّ التاريخ الأداة الرئيسة والمنطلق الطبيعي لفهم الحاضر، فالتاريخ ليس مجرد عمل سردي يتتبَّع تطور الإنسان والمجتمعات والنظم فحسب، بل هو مع ذلك كله سجل العبر والعِظات لمن أراد أن يتفكَّر في أحوال الأمم السابقة، أو يتدبَّر السنن التاريخية التي جرت عليهم، والصيرورة التي قامت بها الحضارات وازدهرت، ثم ضعفت، فانتكست، وفلسفة التاريخ هي ذلك العلم والفن المعني باستخلاص مجموعة القواعد التاريخية التي تنبني عليها النظم والمجتمعات، وهو لذلك يقدِّم حزمة لا يستطيع أي مهتم بفهم التاريخ والحضارة وسنن الله في الدول والشعوب أن يتجاهلها، أو يرفض التسلُّح بما تقدمه مدارسها المختلفة من تفسيرات وحقائق لدورات التاريخ والحضارة.
مؤلف كتاب فلسفة التاريخ: الفكر الاستراتيجي في فهم التاريخ
جاسم سلطان: طبيب ومستشار، قطري المولد، درس الطب في القاهرة في فترة السبعينيات، هنالك عاصر الصحوة الإسلامية في الجامعات، بعدها عاد إلى قطر ليمارس العمل المجتمعي خلال فترة التسعينيات وحتى بداية الألفية الثانية، وخلال هذه الفترة شغل عدة مواقع إدارة منها: مدير المجموعة القطرية للتعليم والتدريب، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «بيت الخبرة» للتدريب والتطوير، ثم ترك الطب وتفرَّغ للعمل الفكري والتأليف؛ فألَّف مجموعة كتب ضمن مشروع النهضة: سلسلة أدوات القادة.
من مؤلفاته: «التراث وإشكالياته الكبرى: نحو وعي جديد بأزمتنا الحضارية»، و«النسق القرآني ومشروع الإنسان: قراءة قيمية راشدة»، و«أزمة التنظيمات الإسلامية: الإخوان نموذجًا»، و«حيرة سؤال القدر»، و«من الصحوة إلى اليقظة: استراتيجية الإدراك للحراك».