التأصيل الفلسفي للأبارتهايد
التأصيل الفلسفي للأبارتهايد
إن الفلاسفة الغربيين، وبخاصةٍ فلاسفة الحداثة منهم، سَوَّدوا آلاف الصفحات في نظرية المعرفة وفلسفة الأخلاق والتنظير للحرية الفردية، وغيرها الكثير من الأفكار اللامعة، لكنهم للأسف كما يرى الكاتب لم يستفيدوا من كل هذه المعرفة، وكانوا روادًا في التنظير للعنصرية والتقسيم الطبقي للأجناس، مع التفضيل المطلق للجنس الأبيض على سائر الأعراق.
كان “إيمانويل كانط” يرى تقسيم البشر عرقيًّا في شكل هرمي، يأتي في قمته -بالطبع- الجنس الأبيض، يليهم أصحاب اللون الأصفر (الآسيويون)، ثم في المرتبة الثالثة يحل الزنوج، ثم سائر الأجناس، مع تأكيد رُزُوحِ الهنود الحمر في قاع الهرم البشري، وأنهم أسوأ جنس وأقل تطورًا وذكاءً، مع كراهية خاصة لليهود والدعوة إلى التخلُّص منهم، وتحقير لكل الفلسفات غير الغربية وبخاصةٍ أفكار الفيلسوف الصيني الأشهر “كونفوشيوس”، وأن فلسفته لم تقدم جديدًا إلى الأخلاق.
نجد الوضع عند هيغل لا يختلف كثيرًا، فهيغل يصنِّف الشعوب لا من منطلق التتبُّع الموضوعي لتقدم الفكر في الزمن، إنما من تصوُّر مسبق يقرِّر المركزية الأوروبية المتفوقة على ما سواها من الأمم ويخرجهم من حركة التاريخ، وقد تصوَّر أن تاريخ العالم يبدأ من المرحلة الشرقية (الصين والهند ومصر)، حيث كان الشعب يخضع لاستعباد الحاكم، ثم المرحلة الثانية عند الإغريق والرومان الذي وسعوا مجال الحرية الفردية، وبالتالي صارت الشعوب الأخرى أقرب ما يكون إلى الهمج ويمكن استعبادهم كأسرى حرب بواسطة تلك الذريعة، ويدل على ذلك قوله إن الشعوب الآسيوية قدرها المحتوم أن تخضع للإمبراطوريات الأوروبية، وأن الصين عاجلًا أو آجلًا سوف تستسلم لهذا المصير، ثم وصلت الحرية أوجها في رأيه عند الشعوب الجرمانية التي عَرفَت الإنسان الحر.
أحيانًا كان يتخطَّى الأمر حيز التأصيل النظري إلى الممارسة الفعلية، فنرى “جون لوك” الفيلسوف السياسي الشهير الذي ألهمت أفكاره كُتَّابَ الدستور الأمريكي، كان يتاجر في الرقيق!
الفكرة من كتاب الأبارتهايد.. دراسة في الجذور التاريخية والثقافية لمفهوم الفصل العنصري
يحاول المؤلف في هذا الكتاب فهم مصطلح “الأبارتهايد” في سياق علاقة الكولونيالية الأوروبية والأمريكية مع البلدان المستعمرة ولا سيما في أفريقيا، كما يبين الخلفية الأيديولوجية للعنصرية الغربية وطريقة اشتغالها وارتباطها الوثيق بالحركات الاستعمارية لتصبح أطروحة الأبارتهايد أداة سياسية لإدارة المستعمرات.
مؤلف كتاب الأبارتهايد.. دراسة في الجذور التاريخية والثقافية لمفهوم الفصل العنصري
الدكتور حميد لشهب كاتب ومترجم مغربي، حصل على درجة دكتوراه قسم الفلسفة من جامعة ستراسبورغ الفرنسية سنة 1993، وحصل كأول باحث عربي على الجائزة العالمية “إريك فروم” لسنة 2004، له دراسات ومقالات عديدة في الميدان الفلسفي والسيكولوجي والسياسي