البيزنطية ومصر
البيزنطية ومصر
تلك مكانة مصر في الإسلام، فما مكانتها عند الروم إذًا؟ لقد كانت مصر بالنسبة إلى الروم الحصن الحافظ لوجودهم واستعمارهم فحصَّنوها تحصينًا عظيمًا وأسكنوها جيشًا وفير العدد والعُدَّة لدرجة أن فتحها فتحًا إسلاميًّا قد استغرق نحوًا من أربع سنوات في حين أن فتح العراق والخليج الشام تم في عام واحد! ففي خلافة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) شاوره عمرو بن العاص (رضي الله عنه) في فتح مصر، وظلَّ به حتى وافق الخليفة مؤجلًا القرار النهائي بعد مشورة الصحابة (رضوان الله عليهم)، لقد كان عمرو بن العاص من خيرة قواد العرب، ومن أكثرهم خبرة وحكمة ومقدرة في الحروب والسياسة.
سار عمرو بن العاص (رضي الله عنه) في فتح مصر على رأس جيش مكون من 4000 مقاتل حتى إذا كانوا في أرضها أدركهم كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعد المشورة مع الصحابة بالعودة إن لم يكونوا قد دخلوها، وبدأت المعارك بالـ”فرما” بين قوَّات الجيش الإسلامي وقوَّات الروم وانتهت بانتصار المسلمين، وبعد عدة معارك أخرى بين مدد وانتصار آلات الأمور لعقد مفاوضات بين الجيش الإسلامي وبين مقوقس مصر، فسعى الأخير إلى مصالحة الجيش الإسلامي الفاتح.
انتهت المفاوضات بين المقوقس وبين رسل عمرو بن العاص بصلح ناجز وبصلح غير ناجز متوقِّف على إمضاء هرقل قيصر الروم، فتمَّ الصلح الأول بين المسلمين والقبط، وأما عن الروم فقد اختاروا القتال، وتمَّ الصلح الأول على أن يُفرَض على جميع من بمصر من القبط ديناران ديناران لمن بلغ الحُلم منهم ولا شيء على الشيوخ أو النساء، وأن لهم أرضهم وأموالهم لا يتعرَّض أحد لها، ويسري هذا الصلح على القبط على وجه خاص.
الفكرة من كتاب عندما دخلت مصر في دين الله
“لقد دخل الجيش الإسلامي إلى مصر، فميَّز فيها بين الأمة المقهورة التي أمَّنها وحرَّرها وأحياها والتحم بها وبين الدولة القاهرة التي حاربها وطوى صفحة استعمارها لمصر وقهرها للمصريين”.
عن مصر منذ القدم واستقبالها للأديان والفتوحات الإسلامية من بعدها، ووقوعها محط أنظار المستعمرين قديمًا وحديثًا يأخذنا الكاتب في جولة تاريخية حول أرض الكنانة.
مؤلف كتاب عندما دخلت مصر في دين الله
محمد عمارة مصطفى عمارة: ولد في الثامن من ديسمبر عام 1931م، وتُوفِّيَ في الثامن والعشرين من فبراير عام 2020م، وهو مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقِّق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى عام 2015.
ترك ميراثًا كبيرًا من الكتب يزيد على 140 كتابًا، منها تحقيق الأعمال الكاملة لعدد من أبرز الكتَّاب مثل الطهطاوي ومحمد عبده والأفغاني، كما ألَّف عن أعلام التجديد الإسلامي وعن التيارات الفكرية الإسلامية قديمًا وحديثًا، ومن أبرز مؤلفاته: “الحملة الفرنسية في الميزان”، و”معالم المنهج الإسلامي”، و”الإسلام والمستقبل”، و”القدس بين اليهودية والإسلام”، و”مقومات الأمن الاجتماعي في الإسلام”.