البيروقراطية أينما تذهب!
البيروقراطية أينما تذهب!
إذا ذهب شخص ما إلى المستشفى من أجل إجراء بعض الفحوصات أو إجراء عملية جراحية فإنه سيصطدم بالممرضة (س) التي تعمل في قسم الاستقبال، والتي من واجبها استقبال المرضى الذين يأتون إلى المستشفى ورعايتهم، لكن الأمر لا يتوقف فقط عند رعاية (س) للمرضى، بل بموجب العديد من الإجراءات والمعايير التي تضعها المستشفيات، فإن الممرضة (س) ستصبح موظفة بيروقراطية بامتياز، حيث ستضطر الممرضة إلى أن تطلب من المرضى بعض الأوراق الشخصية والثبوتية حتى تملأ عددًا من المستندات بالبيانات، إلى جانب القيام بالعديد من الإجراءات الشكلية كعدم تحمل المستشفى أي عواقب قد يتعرض لها المريض من جرَّاء القيام بالعملية الجراحية -مثلًا- كنوع من إخلاء مسؤولية المستشفى، إلى جانب توقيع المريض على تلك المستندات، وغير ذلك من الأمور التي لا تعدو أن تكون عملًا إدرايًّا وقانونيًّا لا يعود على المريض بأي فائدة تذكر، لكن لا تستطيع الممرضة أن تقوم بأي شيء تخدم به المريض فعليًّا إلا بعد إتمام تلك الإجراءات الشكلية.
وأخيرًا بعد أن تنتهي الممرضة من إتمام تلك الإجراءات البيروقراطية، فإنها تلتفت إلى أعمالها التي تقع ضمن تخصُّصها وتفيد المريض حقًّا، فنكتشف بذلك -كما ترى بياترس- أن الممرضة قد أمضت أكثر يومها في المستشفى في أعمال إدارية وقانونية مختلفة كتوريد معلومات، والكتابة على الورق، وملء المستندات مما يقع خارج مهام تخصُّصها كممرضة، حيث تعد كل تلك الإجراءات مضيعة للوقت، كما تعوقها عن أداء عملها كممرضة وهو رعاية المريض والانتباه له.
إن تلك الإجراءات الشكلية والمعايير البيروقراطية لم تعد مقتصرة على مكاتب ومؤسسات الدولة، بل أصبحت جزءًا من القطاع الخاص أيضًا، فقد أصبحت الرأسمالية والبيروقراطية رفيقين لا ينفصلان في نظر ماكس فيبر، وسبب تلك البيروقراطية -كما ترى بياتريس هيبو- أن الأشخاص الذين قاموا بوضع تلك الإجراءات الشكلية وقاموا بصياغتها هم مستشارون لا يفقهون شيئًا في الشأن الطبي، كما أنه من الواضح أنه لم يخطر في بالهم أخذ رأي أوائل المعنيين بهذا المجال، أي الممرضين.
الفكرة من كتاب التحكُّم البيروقراطي
ترزح المجتمعات الحديثة اليوم تحت كم كبير من الإجراءات والمعايير البيروقراطية في جميع المجالات من الأعمال التجارية والمهنية إلى الحياة اليومية وعلاج مشكلات كالبطالة والفقر، حيث يجد الإنسان نفسه خلال حياته اليومية مصطدمًا بالعديد من الإجراءات والتعليمات التي تهدر الكثير من الوقت والطاقة؛ فإذا أقدم منقذ سباحة على إنقاذ أحد الأشخاص من الغرق خارج منطقة رقابته، فإن ذلك قد يعرِّضه لعقوبة مالية -الخصم من مرتبه- أو عقوبة الفصل من العمل والسبب عدم اتباع المعايير والقواعد وفق المنطق البيروقراطي النيوليبرالي!
مؤلف كتاب التحكُّم البيروقراطي
بياترس هيبو Beatrice Hebou: أستاذة في العلوم السياسية، ومديرة أبحاث في المركز الوطني للبحوث في فرنسا، لها مؤلفات عديدة، منها: “التشريح السياسي للسيطرة”، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا.