البوسطجي
البوسطجي
رجل يسعى وبحوزته رسائل وطرود تنتظر الوصول إلى أصحابها، يسأل نفسه: لمن سيكون قدومي فألًا حسنًا ولأي بيت سيجلب الأسى؟ فبحكم عمله لا ينفصل البوسطجي عمّا يحمل من رسائل بها بعض من البهجة أو العذاب، أما الآن فلم يعد البوسطجي بحاجة إلى القلق بشأن ما ينتظره من الناس، فمهنته أصبحت محدودة التأثير ولا إقبال عليها منذ تيسر للإنسان إجراء مراسلاته وإيصالها في لحظات إلى أي مكان وذلك بمجرد ضغطة زر.
أما عن كيفية ظهور تلك المهنة التي كانت ذات شأن وتأثير قبل ظهور وسائل التواصل الحديثة، فيُرجِع بعض الباحثين نشأتها إلى عصر الفراعنة الذين أرسلوا البريد داخل البلاد وخارجها، إذ عُثِر على أول وثيقة تشير إلى البريد ضمن آثار عصر الأسرة الثانية عشرة، ويرجع أصل تسمية البريد والبوسطة إلى ثلاثة آراء: الأول أن أصولها لاتينية وتحورت من «postical stations» أي: محطات البريد، التي أقامها الرومان، إلى «بوستة» في العامية المصرية، والثاني يُرجع أصل تسمية بريد إلى العبارة الفارسية: «بريدة دم» التي تعني: «مقصوص الذَّنَب» وهو اسم البغال والخيل التي كانت تحمل المراسيل عند الفُرس وكانت تُميَّز بقص ذيولها، وثالث الآراء يعدها كلمة عربية الأصل جاءت من «البرد» أو «أبرد»، بمعنى: أرسل، والاسم منه بريد وجمعه بُرُد.
ظل البريد يتطور في مصر حتى تبلور معناه الحقيقي في عهد «محمد علي باشا» الذي أنشأ البريد الحكومي لمّا استشعر وجود فجوة في الاتصال بين المؤسسات الحكومية المختلفة، ليسهل اتصالها في ما بينها وأيضًا بالإدارة المركزية في العاصمة. وبرغم تراجع دور البوسطجي في حياة الناس والمجتمع بشكل يوحي بحتمية نسيان الذاكرة الاجتماعية له، توجد أعمال فنية وأدبية قد وثقت تلك المهنة بطريقة تصونها من النسيان، مثل قصة «البوسطجي» للكاتب يَحيى حقي، وديوان «جوابات حراجي القط» للشاعر عبد الرحمن الأبنودي، التي لعب خلالها البوسطجي دور حلقة الوصل بين «حراجي القط» العامل بالسد العالي، وزوجته «فاطمة أحمد عبد الغفار».
الفكرة من كتاب حاجات قديمة للبيع
مهما كُتب عن التراث المصري ومخزونه الثقافي والشعبي فلن يُعبِّر المنتمون إلى ثقافات مختلفة عنه مثلما تفعل الكتابة المحلية، ومن هنا تأتي أهمية القراءة عن مجتمع ما وفهمه من منظور شخصي، فهي القراءة الأجدر بالوصول إلى من يبحث عن خيوط الحكايات التي نسجت التراث الشعبي، وهذا الكتاب بمنزلة رحلة بين مهن للمصريين أصبحت الآن مجرد لمحات من الماضي، خَفَتَت أهميتها مع ذهاب زمانها ومعاصريها، واستحداث مهن وأعمال ومتع جديدة تلائم تغير الزمان، سنطلع على بعض هذه المهن وطبيعة نشأتها وأهميتها وكيف اختفت أو أضحت على وشك الاختفاء.
مؤلف كتاب حاجات قديمة للبيع
منى عبد الوهاب: ولدت في عام ١٩٩٨م، وتخرجت في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، تعمل حاليًّا مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمؤسسة مزيج الثقافية، وهي مقدمة البرنامج الثقافي «سين وميم»، وتدور اهتماماتها في فلك موضوعات الأدب وتاريخ الشارع المصري وقضايا المرأة في المجتمع.