البناء النفسي للمدمن
البناء النفسي للمدمن
الإدمان خلل في الاتصال بالآخر، والمقصود بالآخر الأشخاص المؤثرون في مرحلة الطفولة المبكرة القائمون على رعاية الطفل، فلم تكن العلاقة آمنة مستقرة بما يكفي لاستدماج صورة داخلية للآخر المحبوب، فيفشل حدوث استدماج ويترك مكانًا فارغًا، فيستخدم الشخص إحدى طريقتين لسد الفجوة تنتهي كل منهما بالإدمان، إما اندماج مفرط يسعى فيه حثيثًا إلى الاتصال بآخر بديل يخفف الشعور بالخواء والحرمان، وإما فرار مفرط يتمثل في الرغبة في الانفصال عن الآخر وشعور بالغضب وميل إلى العزلة.
قد يكون الإدمان عقابًا من الشخص لذاته لاعتقاده أنه سيئ ولا أمل فيه ولا يستحق، فهو يعد تصورات الآخرين عنه شكوكًا يحاول -لا واعيًا- إثباتها ويتعامل معها كأنها حقيقة، وقد يكون تمردًا على الوالدين وتحديًا للسلطة عن طريق مخالفة رغباتهم، ولكنه في الواقع طريقة غير مباشرة لموافقتها، ويرتبط عقاب الذات بالتمرد، فكل منهما قائم على رغبة الآخر إما بالخضوع لها وإما بمعاندتها.
حين يولد الطفل يتمركز حول ذاته واحتياجاته، يرغب في تلبيتها وقتما يريد، ويكون الآخر بالنسبة إليه أداة إشباع، وتسمى مرحلة «النرجسية الأولية»، وبتقدمه في العمر ينتقل إلى مرحلة أخرى يهتم فيها بالآخر والواقع، فيصبح مستقلًّا ويتحرر من التعلق بالآخرين، وتسمى مرحلة «الآخرية»، يحدث الانتقال تدريجيًّا في أثناء مروره بمرحلة «العبور»، وفيها يُنْشِئُ الطفل علاقةً مع شيء يرمز للأم كبديل مؤقت عنها كالدمية، وعندما يتجمد شخص في مرحلة النرجسية يصبح نرجسيًّا وأنانيًّا أو شديد التعلق بالحبيب، ومن يتجمد في مرحلة الآخرية يخضع للآخر وتصيبه حالة «الاعتماد العاطفي»، أما من يتجمد في مرحلة العبور فهو المدمن، ولأنها ممر بين مرحلتين فإنه يتأرجح بينهما، وهذا يفسر تناقضاته وتقلباته.
ينتهي كل ذلك بحدوث عجز عن إقامة علاقة حميمية مع الآخر، فتُصبح الحميمية شاقَّة وتَصْعُب المخاطرة بالانكشاف لآخر والتعرض للألم، ولأنها ضرورة للحياة تُعَوَّض ببديل مزيف في العلاقة مع المخدر.
الفكرة من كتاب ممتلئ بالفراغ: تأملات حول التعافي من الإدمانات والسلوكيات القهرية
كيف تنظر إلى المدمن ومعاناته؟ هل تعتقد أن كل ما يحتاج إليه المدمن قليل من الإرادة كي يتخلص من إدمانه وتستقر حياته؟ إن الإدمان أعمق من ذلك، وعلى العكس، ستفاجأ بمعرفة أن البناء النفسي للمدمن يحمل كثيرًا مما يعرفنا على شخصيته ومعاناته، إذًا لنفك شفرة الإدمان.
مؤلف كتاب ممتلئ بالفراغ: تأملات حول التعافي من الإدمانات والسلوكيات القهرية
عماد رشاد عثمان: طبيب نفسي وكاتب، ولد عام ١٩٨٦م، حاصل على بكالوريوس الطب، وباحث ماجستير في أمراض المخ والأعصاب والطب النفسي، مهتم بالفلسفة واللغة والأدب والتحليل النفسي، وجمع بين اهتماماته فحصل على ليسانس اللغة العربية والثقافة الإسلامية من كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، ويقدم سلسلة بعنوان «فَهم التعافي» على منصة اليوتيوب وغيرها من الفيديوهات يُعين فيها المدمنين على خوض الرحلة ويوجههم فيها.
ومن أعماله:
أحببت وغدًا: التعافي من العلاقات المؤذية.
أبي الذي أكره: تأملات حول التعافي من إساءات الأبوين وصدمات النشأة.