البطل الشاعر
البطل الشاعر
بعد هيمنة الأوضاع العلمية والطبيعية على فكر الناس أصبحت صورة البطل أقل إبهارًا وعظمة وإن لم تكن أقل فضلًا وحقًّا، وأصبح البطل على صورة الشاعر الذي وجد في كل العصور، والشعر هو الكلام الموزون المودع شيئًا من الموسيقى لكأنه ضربٌ من الغناء، فالشعر فكرٌ موسيقي، ولو تأمَّلنا لوجدنا بين الشاعر والنبي شبهًا قريبًا، فكلاهما يَنفُذ ببصره إلى سر الكائنات المقدس الذي أغفله الناس في معظم الجهات والأوقات.
فينظر الغافلون إلى الكون على أنه شيء عادي تافه هامد كأنما هو شيء جامد تولَّى صنعه النجارُ والحداد، أما النبي والشاعر فينفذان له ببصيرتهما، والفرق بينهما هو أن النبي تناول الخير والشر من وجهة الخير والشر والمحظور والمباح، وتناوله الشاعر من وجهة الجمال والحسن والجلال، فأحدهما يهدينا إلى ما نفعل، والآخر يدلُّنا على ما نعشق، وهما في هذا متداخلان لا يمكن الفصل بينهما، وهناك شاعران وإن لم ينالا منزلة الألوهية فقد اقتربا من منزلة التقديس والولاية وهما دانتي وشكسبير إذ لا مثيل لهما في الشعراء.
أما دانتي فولد في فلورنس بإيطاليا وثقِّف على أحسن نظام، وتلقى من العلم الكثير وأصبح أحد القضاة الأكابر وهو في الخامسة والثلاثين، وبينما هو في هذا النعيم ثارت فتنة نُفي على إثرها وكتب له بسببها الشقاء الطويل، ما جعله ينسى فلورنس وينظر إلى عالم الآخرة بجنته وناره وكتب ملحمته الشهيرة “الكوميديا الإلهية” بدم فؤاده التي تشعر فيها بالوزن الموسيقي يطَّرد في جميع لفظها.
وإذا كان دانتي صوَّر باطن القرون الوسطى؛ فقد صوَّر لنا شكسبير حياتها الظاهرة الخارجية وما بها من فروسية ونجدة ومروءة ومطامع ومطامح وأساليب دنيوية للتفكير والعمل والرأي، ومن أسباب عظمته براعته في تصوير الأشياء والأشخاص، وتمثيل الحقائق كما هي دون تحريف أو تحوير بالإضافة إلى الحكمة والعظة والعبرة والشجاعة والمروءة والصراحة والصدق، والعقل الكبير أولى مواهب الشاعر، أما القوة التي تمكِّنه من النظر إلى باطن الأشياء فليست بصدفة ولا نتيجة عادة، ولكنها أولى مزايا الرجل العظيم.
الفكرة من كتاب الأبطال
“لقد أصبح من العار على أي فرد متمدين من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وأن محمدًا مخادع مزور، وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة”..
يحاول توماس كارليل في كتابه هذا شرح معنى عبادة البطولة وأسباب تقديس العظماء على مر العصور، فيبدأ بالقدماء وعقيدتهم الوثنية وصولًا إلى وقته المعاصر ضاربًا أمثلة مختلفة بأسلوب بياني بديع.
مؤلف كتاب الأبطال
توماس كارليل Thomas Carlyle: كاتب اسكتلندي وناقد ساخر ومؤرخ، ولد في الرابع من ديسمبر عام 1795 ودرس القانون والأدب الألماني، وتأثَّر بالفلسفة المثالية الألمانية وكتب عن الثورة الفرنسية كتابًا يقع في مجلدين ضخمين عن اضطهاد الفقراء وحقق نجاحًا كبيرًا، وكان بعنوان “تاريخ الثورة الفرنسية”، كما كتب أيضًا “محمد المثل الأعلى”، و”فلسفة الملابس”، وتُوفِّي في 5 فبراير 1881 في لندن.