البروليتاريا التي يمكن أن تخسر.. الريف يحاصر العاصمة
البروليتاريا التي يمكن أن تخسر.. الريف يحاصر العاصمة
إن طبقة البروليتاريا العُمالية في البلدان المستعمرة، تحوز على اهتمام وامتيازات معقولة من المحتل، لأنها المعنية بالإنتاج، وبذلك لا تتحمس هذه الطبقة إلى تغيير الأوضاع، إن هذه الطبقة، تأخذ حذرها من المكون الآخر الذي يرفض هذا الوضع، ينظرون إلى جماهير الأرياف بارتياب، يرونهم جموعًا جامدة، تحفظ التقاليد البائدة، وينظر الريفيون إليهم على أنهم خونة،تريد النخبة أن تتعامل مع القرية كلجنة أو خلية تابعة للحزب، يتجاهلون طبيعة سكانها، يسخرون من مشايخهم، لكن الأرياف ما زالت تحفظ معنى الكفاح الوطني أكثر من هؤلاء الحزبيين، لا تزال الجدات تحكين لأحفادهن معارك الثوار، لا يزال الأطفال يتذكرون أسماء المجاهدين.
في وسط هذه الطبقة العاطلة، يصبح أي سؤال ناقد غير مُرحب به، تلك الأفراد الثورية التي يعنيها الكفاح الوطني فعلًا، تُطرد من هذا المجتمع الذي لا يحبذ الحماسة، وإذ بهؤلاء يودعون مقاهي المدن، ويتوجهون إلى أحراش الريف، إنهم الآن يتعرفون بلادهم، يرون المأساة الحقيقية التي يعيشها إخوانهم، ويدركون صحة موقفهم بفشل الحراك المدني، وباتصالهم بالفلاحين، يكتشفون أن هؤلاء الناس يؤمنون منذ زمن، بأن سبيل العنف هو الوحيد المجدي ضد الاستعمار.
إن هذا اللقاء بين القادة المنشقين والجماهير العفوية، هو انعطاف كبير في تاريخ النضال الوطني، إنه شرارة البداية، فما تلبث الجماهير في المدن أن تلتقط الإشارة، ليست أي جماهير، إنما هي تلك المناطق المتطرفة، تلك الحواري والأزقة على أطراف المدينة، إن تلك الزيادات العشوائية في مدينة المستعمِر الصلبة، هي إعلان حرب دائم على النظام الثنائي.
ولكن الاستعمار ما يلبث أن يعود إليه رشده ويستفيق من ضربات الشعب المتتالية، وحينها، حين يشعر الثوار بخفوت زخمهم، يدخل إليهم اليأس، ومعه مؤامرات المحتل، يحاول بعث النزاعات القديمة، ولكن القادة الثوريين يفهمون بسرعة أن منهجية الضربة القاضية لا وجود لها في حروب التحرير، ويتحول نهجهم إلى حرب العصابات، إنهم يعرفون بلادهم أكثر من المحتل، يباغتونه من خلفه، يستدرجونه إلى الأعماق، لقد استطاعوا تحويل تلك العفوية الخلاقة، إلى جيش مرن، وعليهم بعد ذلك أن يشرحوا للجماهير، أن يُعلموهم أن هدفهم ليس إفناء العدو، بل إيصاله إلى تلك النقطة التي تكون فيها خسائره من بقائه، أضعاف ما يسلبه، إنهم الآن يمارسون نوعًا من السياسة مرة أخرى، سياسة شكلتها الجماهير وكفاحها، سياسة حربية.
الفكرة من كتاب معذبو الأرض
كان المحتلون في البداية يملكون الكلمة؛ يهتفون ويردد المستعمَرون وراءهم، تقودهم النخبة المُصطفاة من المستعمِر، كان ذلك عصر الإخضاع؛ عصرًا أوروبيًّا بامتياز، وإذا بتلك الأسنان البيضاء الناصعة تتحرك من تلقاء نفسها، تتكلم، وتُحاجج الأوروبي بقيمه التي فرضها، وكان ذلك عصر التجاهل، ثم تعالت تلك النبرة، واستحالت إلى صراخ، وتشنجت العضلات في البداية، بدأ العبيد يتحسسون أجسادهم، إنهم بشر أيضًا، وها هو عصر الغضب.
يتحدث فانون -المؤلف- كثيرًا عن الأوروبيين، ولكنه يتوجه بحديثه إلى قومه في العالم الثالث حصرًا، إنه لا يهتم بالمجازر ولا يستنكر ما فعلته أوروبا، إنه فقط يستخدمها، يشرح لإخوته: “إذا كانت وسيلة المستعمِر هي القوة، فليس أمامنا سوى العبودية أو السيادة”.
مؤلف كتاب معذبو الأرض
فرانز عمر فانون: طبيب نفسي وفيلسوف اجتماعي، وُلد عام 1925م في جزر المارتينيك، التحق بالمدرسة الطبية في ليون، عمل طبيبًا عسكريًّا في الجزائر في أثناء الاستعمار الفرنسي، انضم وقتها إلى جبهة التحرير الوطني الجزائرية بشكل سري، ليستقيل من عمله مُعلنًا انضمامه للجبهة، تُوفي عام 1961م مُتأثرًا بسرطان الدم، ودُفن في مقبرة مقاتلي الحرية بالجزائر كما أوصى، أعماله الأخرى:
بشرة سمراء وأقنعة بيضاء.
استعمار يحتضر.
معلومات عن المترجم:
سامي الدروبي: سياسي وكاتب ومترجم وأستاذ جامعي سوري، كان عميدًا لكلية التربية في جامعة دمشق، عُين وزيرًا للمعارف، اشتهر بترجمته لأعمال كتاب روسيا الكبار، مثل دوستويفسكي وتولستوي وغيرهما.
جمال الأتاسي: كاتب ومترجم وسياسي سوري، حصل على الدكتوراه في الطب النفسي من فرنسا، وكان من مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي، عُين وزيرًا للإعلام في وزارة صلاح البيطار.