البراجماتية النفعية والبناء الأمريكي
البراجماتية النفعية والبناء الأمريكي
يؤمن الشعب الأمريكي بالبراجماتية النفعية، أي إنه لا يؤمن بشيء سوى النجاح، فالنجاح هو المعيار الوحيد للحكم على الأشياء، وكل شيء نسبي ومتغير وغير ثابت، فالعالم ليس فيه نظام واضح ثابت لأي شيء، وبالتالي لا تسيطر عليه أي تصورات كلية عن طبيعة الإنسان والكون، فلا اعتبارات خلقية أو جمالية أو أي شيء.
وفي هذا نجد أن المعرفة يُبحث عنها من أجل المعرفة وفقط، فلا ارتباط بين هذه المعرفة وأي شيء آخر، وعلينا فقط فعل ما نريد فعله، ومن هنا نجد أن تبرير العنف أصل من أصول المدرسة الأمريكية،
فإذا أراد الأمريكي أن يقتل الهنود الحمر فليقتلهم، فالبقاء للأصلح والأقوى، وإذا أرادت إسرائيل محاولة إفناء فلسطين فلتفعل، فلا رقيب ولا حساب، فالبقاء للقوة والسلاح، وكما يقولون: فلسطين هي أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، بهذه السهولة سقطت ملكية الأرض لأن منطق القوة يحكم.
أما عن البناء الأمريكي فيجعل الفرد أكثر قدرة على الاستهلاك، فالأمريكي يعيش وحيدًا في منزل بعيد عن وظيفته بساعة أو أكثر، وبالتالي لا بدَّ أن يمتلك سيارة، وعندما يرحل هو تبقى زوجته وحيدة فلا بدَّ من أن تمتلك سيارة أخرى، وعندما يكبر الأولاد فإنهم سيحتاجون إلى سيارات كذلك، وبهذا تدور عجلة الصناعة الأمريكية، وتدور العجلة الاستهلاكية التي تفسد عقول الجميع.
فالخوف كل الخوف من أن يصل السوق إلى حالة التشبع، فإن وصل السوق إلى هذه الحالة فستزيد نسبة الفائض، ووفقًا لقانون العرض والطلب، فإنه بزيادة المعروض يقل السعر مما يجعل العجلة تتوقف، وكذلك في أمر العمالة، فإنه لا بدَّ أن هناك دائمًا عمالة فائضة رخيصة، يمكنك عن طريقها قهر العمال الموظفين بالفعل، ووجود فائض بشري يمكن استغلاله بعد ذلك، فيتزايد النمط الاستهلاكي ليتحول الإنسان نفسه إلى وسيلة، ويتحول إلى وحدة استهلاكية تخدم الإنتاج، ويصبح التقدم لا من أجل تقديم الرفاهية للإنسان، بل التقدم من أجل التقدم.
الفكرة من كتاب الفردوس الأرضي
للدكتور عبد الوهاب المسيري فلسفة متكاملة في كل كتبه وأطروحاته، تمثل هذه الكتب القيِّمة صندوقًا مغلقًا يصعب الولوج إليه بغير المفتاح والمدخل، فهذا الكتاب بمثابة المدخل إلى كل كتب المسيري، أما باقي كتبه فهي بلورة لهذه المعاني التي تجلَّت له في هذا الكتاب، فهو يلقي الضوء على مرحلة فارقة في حياة كاتبه، واصفًا انتقاله من النموذج المادي إلى الإنسانية والإسلام.
يرفض المؤلف في هذا الكتاب النموذج الغربي المادي الذي يحاول تحقيق الفردوس الأرضي فيحول الأرض كلها جحيمًا تحت قدميه، ويتحدث المسيري كذلك عن مدخله للإسلام عبر مالكوم إكس الشخص الذي أدرك أن فردوسه في الحياة الدنيا هو فردوسه القلبي الإيماني.
مؤلف كتاب الفردوس الأرضي
عبد الوهاب المسيري: مفكر وكاتب مصري، يعد أحد أهم أعلام القرن العشرين، ولد في أكتوبر عام 1938 في مدينة دمنهور، وتُوفِّي في الثالث من يوليو عام 2008، تخرَّج في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، ثم سافر ليحصل على الماجستير من جامعة كولومبيا، وحصل على الدكتوراه من جامعة روتجرز بالولايات المتحدة الأمريكية، وعندما عاد إلى مصر درَّس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود، وكان مستشارًا ثقافيًّا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية.
صدر له العديد من المؤلفات وعشرات الدراسات والمقالات، من أبرز كتبه: “الفردوس الأرضي” و”رحلتي الفكرية: في البذور والجذور والثمار” و”دراسات معرفية في الحداثة الغربية” و”العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة”.