البذرة الأولى
البذرة الأولى
إن التأصيل والبحث في مذهب الخوارج كباقي المذاهب وجب تحليله من جهتيه: التاريخية، والعقدية، وقد ظهرت البذرة الأولى للخوارج في عهد النبي (صلى الله عليه وسلَّم)، وكان تنبُّؤه (صلى الله عليه وسلَّم) بخروج الخوارج وصنيعهم إحدى دلائل نبوَّته (صلى الله عليه وسلَّم)، لكنَّهُ لم يُسمَّ باسمه الدّارِج، وقد أوصل البحث التاريخي في أوَّل خيط نشوئهم، كان في رجل أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) وهو يقسِّم الغنائم فطَعن في قسمته وقال: “يا محمَّد، اعدِل” فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم): “ويلك! ومن يعدِل إذا لم أكن أعدِل؟ لقد خِبت وخسِرت إن لم أكن أعدِل”، وهُنا أخبر رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) أصحابه (رضوان الله عليهم) أن هذا الرجل وأصحابه يقرؤون القرآن فلا يُجاوز حناجرهم، وسمَّى باقي سماتهم، وقد تعدَّدت النصوص الشرعيَّة في وصفهم وانطوت على مسلكين: الأوَّل نصوص تتعلَّق بتحقيق تاريخي خاص، وهم الخوارج الذين سيخرجون على عليَّ (رضي الله عنه) تحديدًا، وقد سُمُّوا فيما بعد -هؤلاء خصوصًا- بالحروريَّة، والمُحكِّمَة الأُوَل
وأهل النهروان، والمسلك الثاني نصوص تتعلَّق بتحقيقات تالية، وهي أكثر عمومًا وإطلاقًا من النصوص الأخرى، وفيها أدلة على امتدادهم التاريخي، وتطوُّرهم، وسماتهم العامَّة، بعيدًا عن المخصوصين منهم بالخروج على سيدنا علي (رضي الله عنه)، وتكفيره، وقتله، أي على سبيل المثال: ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم) أنَّ من سماتهم كثرة التعبُّد، وكان هذا على سبيل الاختصاص بالخوارج الذين يقتلون عليًّا (رضي الله عنه)، ولم يكُن هذا مُلزِمًا أن تكون صفة سارية في الخوارج التالين لهم، وقد انصرف ممن لديه نزعة مغالية في التكفير إلى محاولة إنكار استمرار الامتداد التاريخي في الواقع، ليجعل من هذا الطعن بابًا مفتوحًا لهم، غير أن الباحث المدقِّق يُدرِك أن هذه الأطروحة بعيدة عن التحقيق العملي، فقد جاءت العديد من النصوص التي تُثبِت استمرار ظهور الخوراج كظاهرة تاريخية متجدِّدة.
الفكرة من كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
إن الخوارج من أعجب أهل البدع منهجًا ومنهجيَّة، فالباحث في حالهم يتعجَّب كثيرًا كيف لفئة من المسلمين محاربة وتكفير فئة أخرى وفيهم صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلَّم)، وقد قاموا بجرائم كان العربي في جاهليته يتعفَّف من ذِكرها عوضًا عن فعلها، وهذا الكتاب مبحثٌ عميق في امتدادهم التاريخي، وأصل فكرتهم، وما آل إليه حالهم في واقعنا المُعاصر، مع سبرٍ لأغوار نفوسهم وبحثٍ في أسباب انحرافهم عن أهل السنة والجماعة.
مؤلف كتاب المنشقُّون: تنقيب عن مفهوم الخوارج بين التاريخ والواقع
عبد الله بن صالح العجيري: وُلِد عام 1976م بمدينة الخُبر بالسعودية، تخرَّج في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بكُلية الهندسة تخصُّص الحاسب الآلي، والتحق بجامعة الإمام محمد بن سعود وتخرَّج فيها بكلية أصول الدين، وهو باحثٌ ومفكِّر إسلامي، ومدير لمركز تكوين للدراسات والبحوث، له العديد من المقالات والكتب منها: “شموع النهار“، و”عبث الرواية“، و”ينبوع الغواية الفكرية“.