البداية المبكرة
البداية المبكرة
الزعماء نوعان: منهم من يصنعه التاريخ، ومنهم من يصنع التاريخ، أما من يصنعه التاريخ فهو الذي دخل المجال السياسي صدفة ولم يكن همه سوى الشهرة أو المكاسب المادية، لذلك يتمسك بمنصبه مهما تكلف الأمر من إراقة الدماء أو التنكيل بالشعوب، لأن مثله يعلم أن فرصة كتلك لن تتكرر، لأنه ببساطة ليس أهلًا لهذا المنصب، وهذا يضطره إلى الدكتاتورية وحب التخلص من الخصوم، أما من يصنع التاريخ فهو الذي تستدعيه السلطة وإن كان رافضًا لها ولا يراها إلا وسيلة للوصول إلى أهدافه القومية والحضارية، وهذا النوع من الزعماء يبدأ حياته السياسية مبكرًا ويرى في الماضي بئرًا لا تنضب من التجارب التي يمكن أن يروضها ليشكل الحاضر المتناسب مع رؤى المستقبل.
وكان الشيخ زايد من النوع الذي يصنع التاريخ، فقد استقرت قبيلة بني ياس على ساحل الخليج في القرن السادس عشر الميلادي، وامتد نفوذها من حدود قطر حتى واحة البريمي حيث قادت القبائل لمدة أربعة قرون، وكانت بارعة في إنهاء القتال وعقد الصلح بين القبائل المتحاربة، ومن بين تلك الظروف نشأ الشيخ زايد الذي ما إن تولى حكم إمارة أبو ظبي في السادس من أغسطس عام 1966م، سعى إلى لمّ شمل الإمارات فاجتمع بالشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم في 18 فبراير عام 1986م للتشاور في الأمر، ثم في 2 ديسمبر عام 1971م اجتمع حكام الإمارات الأخرى وأقروا إقامة دولة الاتحاد، على أن يكون الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيسًا لمدة خمس سنوات، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائبًا له للمدة نفسها، وكانت الإمارات المتحدة هي أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة، ثم انضمت إليها إمارة رأس الخيمة في 10 فبراير عام 1972م.
الفكرة من كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
طالما تمسكت الأمة بآمال القومية العربية وسعت في ذلك مساعي شتى، أصيبت على إثرها بخيبات أمل طاحنة كان آخرها سقوط الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961م، إلا أن الصحراء أخرجت من رجالها من اعتاد الزوابع والتقلبات فتحدى الواقع، ولم يمر عقد واحد بعد سقوط الوحدة المصرية السورية إلا وقد خطا أول خطوة حقيقية تجاه هدفه عام 1968م، حتى تم له الأمر عام 1971م وأعلن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة.
لكن عبقرية الشيخ زايد لم تتوقف عند نجاحه في توحيد القبائل التي لم تَعتَدِ الخضوع لولي أمر، بل تبلورت عبقريته في الحفاظ على ذلك الاتحاد وتقويته دون سلب الحقوق، ومواكبة المستقبل دون التملص من التقاليد، والكثير من المتناقضات التي حققها وانفرد بها بين الحكام التقليديين.
ولعل معركة أكتوبر 1973م هي أول ما يفد إلى الذهن عند الحديث عن ذلك الرجل، إذ تجرأ بقطع البترول عن الولايات المتحدة الأمريكية لأنها تساند إسرائيل، وقال مقولته الشهيرة “ما دام الدم العربي يسيل في أرض المعركة، فليس النفط العربي أغلى من الدم العربي”.
على كلٍّ، يمكن القول إن كثيرين تمكنوا من صنع التاريخ، لكن الشيخ كان من القلائل الذين ألبسوه صبغة عربية وإسلامية، لذلك استغرق د. نبيل راغب ثلاث سنوات في كتابة هذا الكتاب، درس فيها الجوانب التاريخية والديمقراطية والاقتصادية والإنسانية التي مكنت هذا الرجل من وضع حجر الأساس لدولة ستصبح أهم وجهة اقتصادية للعالم في ما بعد مع تمسكها بهويتها الإسلامية.
مؤلف كتاب أصول الريادة الحضارية: دراسة في فكر الشيخ زايد
نبيل راغب: (1940م – 2017م)كاتب وناقد ومترجم مصري، درس الأدب الإنجليزي في كلية الآداب جامعة القاهرة ونال شهادة الدكتوراه من جامعتي القاهرة ولانكستر بإنجلترا، عمل مستشارًا لوزارة الثقافة في مصر وأستاذًا زائرًا بجامعة إكستير بإنجلترا، له عدة مؤلفات تنوعت بين الرواية والنقد والفكر والفلسفة منها:
أدباء القرن العشرين.
دليل الناقد الأدبي.
دليل الناقد الفني.