البدايات الفارقة
البدايات الفارقة
كان بول على يقين أنه لن يصبح طبيبًا، وفي شبابه قبل مرحلة الجامعة لم يُفكِّر في مساره المهني كثيرًا، لأنه كان يرى أن أية أفكار في مساره المهني في تلك المرحلة من العبث، كما أن مهنة الطب لم ترتبط في داخله إلا بالغياب، أو على وجه التحديد غياب الأب الذي كان يعمل قبل شروق الشمس، ويعود بعد حلول الظلام ليتناول عشاءً معادًا تسخينه، فوالده كان طبيبًا، وبسبب عمله نقل أسرته المكوَّنة من الأم وثلاثة ذكور من بلدة برونكسفيل بنيويورك إلى مدينة كينجمان في ولاية أريزونا، وكان هذا الانتقال بسبب رغبة والده للحصول على فرصة لممارسة جراحة القلب.
كما أن والده كان يقدِّم لأبنائه مزيجًا حيًّا من العواطف الجيَّاشة والأوامر الحاسمة والأحضان الممزوجة بالأوامر الصارمة، أما والدته فقد كانت من جنوب الهند، وانتقلت مع زوجها بعد قصة حب بينهما، وقد كانت امرأة حريصة على تعليم أطفالها، وأكثر ما يُقلقها مستقبلهم، فرغم النظام التعليمي الضعيف في ولاية أريرونا، فقد سعت إلى تحبيب أطفالها القراءة والتعلُّم، وكانت تأخذهم إلى لاس فيجاس للخضوع إلى اختبارات الكفاءة الدراسية الأولية، وحشدت المعلمين وطالبت بإضافة مواد المستوى المتقدِّم إلى المنهج في بلدة كينجمان، وأخذت هذه المسؤولية على عاتقها، وحقَّقت فعلًا تطوُّرًا تعليميًّا في مدارس تلك البلدة.
وفي سنة تخرُّج بول قابل “أبيجيل” التي تعمل في مقهى البلدة لجمع مصاريف الدراسة في جامعة سكريبس، وقد كانت شخصية مقبلة على الحياة، ذكيَّة، وفي يوم ما قدَّمت لبول رواية يتطرَّق الكاتب فيها إلى أن العقل خاضع لسيطرة المخ، فخرج بسؤال “ماذا يمكن للمخ أن يفعل؟”، وأدرك حينها أن المخ هو الأداة التي ولَّدت كل الأفكار الأدبية التي برعت في إبراز الطبيعة البشرية، فبعد دراسته للأدب الإنجليزي وعلم الأحياء البشري، انتقل اهتمامه إلى علم المخ والأعصاب!
الفكرة من كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
ما الذي يجعل للحياة مغزى وجدوى، إذا كانت جميع المخلوقات ستُنفى في النهاية؟ ولماذا يصبح الإنسان مُجرد اسم حين يتذوَّق الموت؟ وما قبل الموت.. المرض، الألم، الحُزن..
في هذا الكتاب سيرة ذاتية لطبيب شُخِّص بسرطان الرئة وصار مُعرَّضًا للموت، بعد أن كان يُعالِج الذين يصارعون الموت، ويمر بمراحل تحوُّل الطبيب من طالب طب ساذج أسير -على حد تعبيره- إلى طبيب، فيصير جرَّاح أعصاب يتعامل مع المخ، وأبًا وزوجًا يتعامل مع الحياة.
مؤلف كتاب عندما تتحول الأنفاس إلى هواء
بول كولانثي Paul Kalanithi: جرَّاح أعصاب وكاتب، وُلد عام 1977، تخرج في جامعة ستانفورد بدرجة البكالوريوس في علم الأحياء البشرية، وبالماجستير في الأدب الإنجليزي، ثم حصل على درجة الماجستير في تاريخ وفلسفة العلوم والطب من جامعة كامبريدج، ثم تخرج بتقدير امتياز في كلية الطب بجامعة ييل.
وفاز بجائزة الأكاديمية الأمريكية لجراحة الأعصاب وهي أعلى جائزة في ذلك المجال، ثم عاد إلى ستانفورد للتدريب على جراحة الأعصاب وللحصول على زمالة ما بعد الدكتوراه في علم الأعصاب، ألَّف أكثر من عشرين منشورًا علميًّا وحصل على أعلى جائزة للأكاديمية الأمريكية للجراحة العصبية.
توفي بول في عام 2015 بعد تشخيصه بسرطان الرئة، وكان ذلك سبب تأليف كتابه “عندما تتحوَّل الأنفاس إلى هواء”.