البحَّار الضائع
البحَّار الضائع
رفيقنا الثاني البحار جيمي، صاحب الذاكرة السجينة، وحالته المرضية هي متلازمة كورساكوف؛ وهي خلل دماغي نتيجة نقص في مادة الثيامين (vitamin B1).
القصة كانت لرجل في التاسعة والأربعين من عمره يعاني فقدًا شديدًا جدًّا في الذاكرة الحديثة لدرجة أن أوليفر ساكس وضع ساعته وبعض الأشياء على المكتب وغطاها، وطلب من المريض تذكر هذه الأشياء ثم تحدث معه لمدة دقيقة واحدة فقط، ثم بعد ذلك سأله عن الأشياء التي خبأها والمفاجأة أنه ليس فقط لم يتذكر تلك الأشياء التي طلب منه تذكرها، لكنه نسي أيضًا أن أوليفر ساكس طلب منه تذكُّرها أصلًا، وأعاد التجربة مرة أخرى لكن هذه المرة كتب الأشياء المخبأة في ورقة ووضعها في جيبه ومرة أخرى ليس فقط لم يتذكر الأشياء، بل تفاجأ أن ورقةً كانت بجيبه مكتوبة بخط يده وتحمل أسماء تلك الأشياء، واكتشف الطبيب بعد ذلك أن هذا المريض قد مسحت قرابة 25 سنة من ذاكرته حتى قبل تاريخ بدء مرضه، والخطير في الأمر والذي لا يستوعبه معظم الناس إنه نسيها نسيانًا غير مدرك، فعلى سبيل المثال: أنت قد تنسى ما وقع في السنة الماضية، لكنك تعلم أنك نسيته، لكن هذا المريض يعتقد أنه لا يزال يعيش في سنة 1945 دائمًا مع أن وقت زيارته لأوليفر كانت سنة 1975، ما يعني أن ثلاثين سنة من حياته قد طُمِست بالكامل.
هذه القصة مع قصص أخرى تبين لنا أن الذاكرة هي التي تؤلف حياتنا، “يجب أن تبدأ بفقدان ذاكرتك ولو بشكل تدريجي وبطيء لتدرك أن الذاكرة هي التي تؤلف حياتنا، إن الحياة دون ذاكرة ليست حياة على الإطلاق، ذاكرتنا هي تماسكنا ومنطقنا وشعورنا وحتى فعلنا ومن دونها نحن لا شيء”.
الفكرة من كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
عُرف طبيب الأعصاب والكاتب أوليفر ساكس بالبعد الإنساني والأدبي في كُتبه، فحين يكتب عن المرض، فهو لا يحوِّل المرضى إلى حالات لا روح لها، أو كما يقول في مقدمة الكتاب: “سجل الحالة الحديث يلمِِّح إلى الفاعل بصورة سطحية: “أنثى في الحادية والعشرين من العمر مصابة ببرص ثلاثي الصبغ، وهي عبارة يمكن أن تنطبق على جرذ بقدر انطباقها على إنسان، ومن أجل إعادة الفاعل البشري إلى المركز – الفاعل البشري المُعاني، والمُبتلى والمقاوم – لا بد لنا من توسيع سجل الحالة إلى قصة أو حكاية”.
ما الذي يجعل شخصًا ما يظن أن زوجته قبعة؟ إنه الدماغ، هو ما يجعله يسلك سلوكًا غريبًا ومختلفًا.
هناك فرق بين الدماغ والعقل، فالدماغ هو الكتلة المادية الموجودة داخل الجمجمة، أما العقل فهو القدرة على التفكير والوظائف الإدراكية.
مؤلف كتاب الرجل الذي حسب زوجته قبعة
أوليفر ساكس: هو كاتب وباحث وطبيب أعصاب بريطاني متخصِّص في علم الأعصاب، ولد سنة 1933 في لندن، وتوفي سنة 2015. حاز رتبة قائد في رتب الإمبراطورية البريطانية (CBE)، وهو عضو جمعية الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا.
ألَّف الطبيب أوليفر ساكس مجموعةً من الكتب الأكثر مبيعًا، وقد تناولت في معظمها الحالات المرضية التي واجهته في مسيرته المهنية، والبعد الإنساني لها، ومن أشهر هذه الكتب:
أريد ساقًا أقف عليها.
رؤية الأصوات رحلة إلى عالم الصم.
عين العقل.
على الطريق (نُشر هذا الكتاب سنة 2015 قبل أشهر قليلة من موته).
عمى الألوان.