البحث عن الأمان
البحث عن الأمان
ماذا يحتاج الخائف؟ يحتاج إلى الأمان بشدة، ويرتفع ذلك الاحتياج كلما ازدادت سيطرة الخوف على النفوس، سيقدم الخائف أي قرابين، وسيدفع كل الأثمان الباهظة، سواء كانت من حريته الشخصية أو خصوصيته، مقابل أن يشعر بالأمان والسلامة، ذلك الشعور الذي تقلص من مرتبة الطموح والهدف الجماعي وأضحى مطلبًا شخصيًا، يسعى كل فرد لتحقيقه لنفسه فقط دون اهتمام بالآخرين، وبتغذية الخوف من وسائل الاعلام، بجانب التجارة بهلع الناس، استشرت مصطلحات واعتبارات الأمان والسلامة في أدق التفاعلات والعلاقات الاجتماعية، تعبيرًا عن القلق الداخلي من العالم، تأمل سهولة إهانة أحد ما، وهوسه بالهروب إلى منطقة راحته، وعجزه عن المخاطرة وتحمل التبعات الطبيعية للاختلاط بالناس.
اختزلت الشركات والمؤسسات السلامة والأمان إلى قيمة، يمكن تحقيقها باتباع عدة خطوات منهجية تعلمها الموظفون، حتى نصل لعالم خيالي خال من الأذى، يعيش ويعمل أفراده في يوتوبيا الأمن والسلامة، ورغم وصولنا إلى مستويات غير مسبوقة للأمان في عصرنا، إلا أن شعورًا متزايدًا بانعدام الأمن قد نما بشكل غريب، وزاد الطلب الملح على المزيد من المساحات الآمنة للاحتماء، حتى لو دفعنا حريتنا ثمنا لذلك، لأن الكثيرين يؤمنون بأن الحرية تأتي في المرتبة الثانية بعد الأمان، وهو اعتقاد لطالما استغله المستبدون، أو اتخذ مسوغًا لتمرير سياسات استبدادية. أقسى ما في شعور الخوف، أننا نخاف بمفردنا، نختبر القلق والهلع ونتلقى الصدمات تلو الأخرى بمعزل عن أي سياق جماعي، وتقع مسؤولية النجاة على عاتق كل فرد وحيدًا.
الفكرة من كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
انتشر مصطلح ثقافة الخوف في أدبيات علم الاجتماع، وزادت نسبة الاهتمام به، وبذل عدة باحثين مجهودات ضخمة لتتبع الخوف، وتحديد مظاهره وسماته وتاريخه، وكلما تعمقوا في البحث، تيقنوا أن للخوف تأثيرًا ضخمًا على حياتنا وعالمنا، بل قد يصبح الدافع الوحيد أما البشرية للتحرك إلى الأمام.
كيف نخاف؟ ومما؟ وما الذي يصنع مجتمعا خائفًا وآخر شجاعًا؟ وهل تغير خوفنا بتقدم العلم والمعرفة؟ ألم تعدنا الحضارة بالقضاء على الخوف، وبمستقبل خال من التهديدات؟ فما الذي تغير؟ سنجيب عن تلك الأسئلة رغبةً في فهم الخوف في القرن الواحد والعشرين، لعلنا نتمكن من إدارته وتنظيمه.
مؤلف كتاب كيف يعمل الخوف؟ ثقافة الخوف في القرن الواحد والعشرين
فرانك فوريدي: عالم اجتماع مجري ولد في بودابست بعام ١٩٤٧م، هاجرت عائلته من المجر إلى كندا بعد انتفاضة ١٩٥٦م الفاشلة، وحصل على درجة البكالوريوس في العلاقات الدولية في جامعة ماكجيل، ثم انتقل ليعيش في بريطانيا منذ عام ١٩٦٩م، ثم حصل على درجة الماجستير في السياسة الأفريقية من كلية الدراسات الشرقية الأفريقية، أتبعها بحصوله على درجة الدكتوراه من جامعة كينت عام 1987م. كرس عمله الأكاديمي لدراسة الإمبريالية والعلاقات العرقية واستكشاف علم الاجتماع، مؤلفا عدة كتب مثل:
أين ذهب كل المثقفين؟
سياسة الخوف.
معلومات عن المترجم:
كريم محمد: كاتب ومترجم مصري، من أعماله:
حتى تنطفئ النجوم.
سوف ننجو بأعجوبة.