الانفجار العظيم ونشأة الكون
الانفجار العظيم ونشأة الكون
تحدَّث الكاتب سابقًا عن مفهوم التوسُّع الكوني ونموذج “فريدمن” لوصف الكون، وأحد استنتاجات هذا النموذج هو أن الكون لا بد وإن كان في حالة انكماش قبل أن يبدأ بالتوسُّع مثل قطبي الأرض، ما يعني أنه في وقت من الماضي كان الكون مجتمعًا في نقطة واحدة منعدمة الحجم ذات درجة حرارة لا نهائية يسميها العلماء بـ”التفرُّد الجذبوي” the singularity، وفيها تتعطَّل كل قوانين الفيزياء التي نعرفها عن العمل ولا يمكن التنبؤ بنتائجها، ومع مرور الوقت بدأ تمدُّد الكون وتكوَّنت المادة والمادة المضادة من تلك الطاقة المركَّزة تبعًا للنظرية الكَمَّية، محافظة بذلك على صحة القانون الأول للديناميكا الحرارية الذي ينص على أن الطاقة لا تفنى ولا تُسْتَحْدَث من عدم، ويشرح الكاتب أن التقاء المادة والمادة المضادة يعني فناء كلتيهما وبالتالي فإن الحالة الأولية للكون سمحت بتكوين جزيئات مادة أكثر من مضاداتها، وبعد فناء المادة المضادة وانخفاض درجة حرارة الكون بصورة نسبية؛ تشكَّلت النجوم من غازات الهيليوم والهيدروجين، بينما تكتَّلت العناصر الثقيلة لتكوين باقي الأجسام الكونية، ويواجه هذا التفسير عدة أسئلة منها: لماذا يبدو الكون منتظمًا على نطاق واسع؟ ولماذا بدأ بهذه الحالة الأوَّلية دون غيرها؟ ولماذا نشأت المجرَّات في مناطق محدَّدة في الكون؟ يجيب هوكينج أن الضوء في بداية التمدُّد كان بإمكانه السفر بين النقاط المختلفة في الكون في وقت صغير، ما سمح بتشارك نفس الخصائص في كل مكان، كما أن معدل التمدُّد الكوني كان ضخمًا بشكل لم يسمح بتكوُّن المادة في البداية لابتعاد الجزيئات بعضها عن بعض بصورة كبيرة كنقاط على سطح بالون منتفخ، أما عن لماذا نشأ الكون بهذه الحالة؟ فيرى الكاتب أن بإمكاننا الرجوع إلى المبدأ الأنثروبولوجي الضعيف الذي يقول إن الكون نشأ بهذا الشكل لأننا يمكننا أن نراه بهذا الشكل، ويقترح هوكينج نموذجًا يجمع بين نسبية أينشتاين وميكانيكا الكم عن طريق إيضاح بعض الخصائص التي يجب أن تتوافر في هذا النموذج، فينبغي أن يتضمن نظرية “حاصل جمع التواريخ” الكَمَّية التي ذكرناها سابقًا وفكرة أينشتاين أن الجاذبية انحناء في الزمكان يجعل الأجسام تسلك مسارات منحنية، وفي هذا النموذج يقترح هوكينج التخلي عن فكرة “التفرد الجذبوي” the singularity، موضحًا أن العالم حينها سيصبح بلا حواف زمنية، تمامًا كسطح الكرة الذي يبدو محدودًا ولكنه لا يملك بداية ونهاية.
الفكرة من كتاب تاريخ موجز للزمن
يتحدث ستيفن هوكينج في هذا الكتاب عن النظريات والتطورات الفيزيائية والرياضية التي شكَّلت مفهومنا عن العالم ونشأة الكون وكذلك التركيب الرئيس لأجزائه، والتي تم التوصُّل إلى أغلبها في القرون القليلة الماضية، ويبدأ الكتاب بتوضيح الأسس التي تميِّز النظريات العلمية عن غيرها، فالنظرية العلمية لا بد أن تُقَدِّم نموذجًا يفسر الظواهر الفيزيائية عن طريق مطابقة الشواهد العملية والتَنَبُّؤ بالكميات والمشاهدات المرتبطة بهذه الظواهر، وإذا فشلت النظرية في ذلك أو ظهرت أخرى أكثر منها دقة، فإنها تُتْرَك لعدم كفايتها، أما في حالة نجاحها فيُكتب لها النجاة مؤقتًا حتى توضع مجددًا تحت الاختبار.
مؤلف كتاب تاريخ موجز للزمن
ستيفن هوكينج: هو عالم الفيزياء النظرية، والرياضيات التطبيقية البارز بجامعة كامبريدج، وله أبحاث عديدة في علم الكون والعلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، ويشتهر هوكينج بين الأوساط العلمية بإسهاماته في تكوين نظريات عن التفرُّد الجذبوي the singularity، وإشعاعات الثقوب السوداء، وكذلك اهتمامه الكبير بمحاولة الوصول إلى نظرية موحَّدة لتفسير الظواهر الفيزيائية على كلٍّ من البعدين الكوني والذرِّي؛ لتُوَفِّق بذلك بين أهم ركائز الفيزياء الحديثة، النظرية النسبية وميكانيكا الكم.
معلومات عن المترجم:
مصطفى إبراهيم فهمي: مترجم مصري حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة من جامعة القاهرة، والدكتوراه في الكيمياء الإكلينيكية من جامعة لندن، وشغل منصب عضو لجنة الثقافة العلمية بالمجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 1997، وله ترجمات عديدة في مجال العلوم منها: “الكون في قشرة جوز”، و”الجينوم – السيرة الذاتية للنوع البشري” وغيرها، كما أنه مُؤَلِّف لكتابين هما “قضايا علمية”، و”علوم القرن الحادي والعشرين”.