الانضباط الذاتي ودائرة السيطرة
الانضباط الذاتي ودائرة السيطرة
أحيانًا كثيرة نلجأ إلى الهروب، ولكن إلى الأمام، ويتمثل ذلك الهروب في الانشغال بالأشياء الكبيرة، بغية الإفلات من تحمل مسؤولية الأشياء الصغيرة الحرجة، فأنت تتحدث مثلًا عن هموم المسلمين ومشكلاتهم وتتناسى تقصيرك ومشكلاتك، وهذا النوع من الهروب يُمارس بطريقة غير واعية، ويكون هناك دائمًا شيء ما نهرب إليه، وبهروبنا هذا إنما نحن نرتكب الأخطاء ضد المجهول، وتجد أن مجتمعنا يمتلئ بالأشخاص القادرين على سرد المشكلات والوقوف عليها، بينما يفتقر إلى من يحسن توصيف الأوضاع الحالية بفهم عميق شمولي، والإنسان يدور بعقله وجسده في فلك ثلاث دوائر رئيسة، وهي دائرة السيطرة ودائرة الاهتمام ودائرة التأثير، ومربط الخيط يبدأ من دائرة السيطرة، وهي تعني التحكم في الشؤون الذاتية من اتخاذ القرارات وتلبية الرغبات أو كبح بعضها، ودائرة التأثير تعني التغيير في الآخرين على أي نطاق، بينما دائرة الاهتمام هي التي تحمل أحلامنا وأوهامنا وكل ما يخص المستقبل.
فكأن الدوائر الثلاث تدور في فلك الزمن، في الماضي (السيطرة) والحاضر (التأثير) والمستقبل (الاهتمام)، ويكمن التحدي الأساسي الذي يواجهه الإنسان في أدائه الجيد في دائرة السيطرة، فهي التي تعكس إحساسنا بالمسؤولية الشرعية والأخلاقية تجاه أعمارنا والإمكانات التي حبانا الله بها، ومسؤولياتنا تجاه ذواتنا ومن ثم الآخرين، وهي بذلك تؤثر في الدائرتين الأخيرتين؛ التأثير والاهتمام، وللنجاح فيها علينا أن نجاهد أنفسنا ونعيد ترتيب أولوياتنا وأوراقنا.
والانضباط في هذه الدائرة يعد أفضل هدية من إنسان، ليس لنفسه فحسب ولكن لأمته بأسرها، ولا بد لكل منا أن يضع الارتقاء الشخصي صوب عينيه وهدفًا أسمى تتمركز حوله أفعاله اليومية، مستعينًا بالله وذكره والخوف منه والرجاء فيه ومناجاته، فالإسلام إنما هو خارطة الطريق لكل إنسان، وكان ابن تيمية يعتبر الفترة من الفجر إلى طلوع الشمس هي وجبته الروحية التي يستزيد منها ويتقوى بها على مواصلة المسير خلال باقي يومه.
الفكرة من كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
يُعد هذا الكتاب وصايا للمنشغلين بالإصلاح المجتمعي، فلا شك أن مجتمعنا الإسلامي اليوم يفتقر إلى مشاريع إصلاحية حقيقية على أرض الواقع بعيدًا عن الأمور الخارقة، فحركة التاريخ ما هي إلا آلاف من الجهود الضئيلة التي لا تكاد تُرى وحدها، وعليه يهدف هذا الكتاب إلى الخروج بالإنسان من حالة مراقبة الواقع والتنظير عليه إلى حالة التنفيذ والتغيير فيه. والتفكير حيلة الإنسان وهو سلاح ذو حدين؛ قد نفك به القيود ونخرق الشروط، أو قد يعجزنا ويُمكّن الغير من الاستبداد بنا، وذلك بحسب تعاملنا مع الأفكار، إن كان تعاملًا أحاديًّا فردوسيًّا أو واقعيًّا مرنًا، فالأزمات التي نحياها ليست نتيجة أفعال الآخرين أو الأقدار المكتوبة لنا فحسب، وإنما تدخل في ذلك أفكارنا وعقلياتنا ومرجعياتنا، ويهدف الكاتب إلى تحويل الأفكار الإصلاحية من كلام منمق إلى مشاريع تنموية مثمرة على أرض الواقع.
فإن كنا مهتمين بالتربية المبكرة وأثرها في الطفل، فلا بد من إنشاء روضة أطفال نموذجية، وقد ذكر الكاتب راشد الغنوشي أن جوهر المشروع الإسلامي ليس إسلاميًّا ليستهدف الدولة، وإنما اجتماعي إصلاحي للناس كافة، وهذا معيار نجاحه أو فشله، ورغم هذا الوضع غير المبشر، ورغم ضعف الدولة وهشاشة تنفيذ الشريعة فيها، فإن الإسلام اليوم في ازدهار، بينما العلمنة تتجه بخطى سريعة نحو الذبول والاندثار، فالأمة الإسلامية وإن كانت منهارة سياسيًّا، فإنها قوية حضاريًّا وأخلاقيًّا.
مؤلف كتاب نهوض التفكير.. التفكير في المفقود
أ.د. عبدالكريم بكار: أحد أبرز الكتاب في مجال التربية الإسلامية والفكر الإسلامي، حاصل على الدكتوراه من قسم أصول اللغة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، مهتم بالحضارة الإسلامية وقضايا النهضة الفكرية والعمل الدعوي الإصلاحي، وقد تُرجمت كثير من أعماله إلى العديد من اللغات، كما أن له مكتبة صوتية ضخمة تزخر بالعديد من المقاطع الصوتية التي سجلها.
للمؤلف نحو أربعين كتابًا، منها “فصول في التفكير الموضوعي”، و”مدخل إلى التنمية المتكاملة” و”العيش في الزمان الصعب” وغيرها من المؤلفات.