الانسياب المعلوماتي، والعقلية الأوديماتية
الانسياب المعلوماتي، والعقلية الأوديماتية
هل الصحفيون هم المتسببون في كل هذه الأحداث؟ وهل يقفون خلف هذا التزييف المعلوماتي التليفزيوني؟ يجب أن نتفق أن الصحفيين “وحدة مجردة”، وأن ننفي عنهم هذا الاتهام، وأن الوسط الصحفي يتسم بالانقسام وعدم المُجانسة، والدافع الأكبر للصحفيين هو مبدأ المنافسة والسعي إلى السبق المعلوماتي لتحقيق شيء من التنوع.
أما عن الانسياب الدائري للمعلومات، فقد قال بورديو في كتابه إنه عندما تكتب صحيفة ما عن مؤلف أو إصدار جديد لكتاب، ستجد صحيفة ثانية مجبرة على عرض الكتاب ذاته وإن كان سخيفًا، وهذا مثال بسيط يدلل على أن هناك تشابهًا في تعاطي وسائل الإعلام في مضمونها وإن كانت هناك تعددية ظاهرة في هذه الوسائل، وهذا التشابه ينسب إلى الانسياب الدائري للخبر، إذ ينشر في جريدة فيلتقطه صحفي في مؤسسة إعلامية ثانية، ويضيف إليه معلومة صغيرة قد لا تكون لها أهمية، وهو يفعل ذلك لأنه عجز عن جلب خبر جديد،
وهذا النوع من السلوك ناتج عن المنافسة بين الصحفيين، المنافسة التي تجعلهم يأتون بأخبار خاطئة ليقدموها بطريقة مثيرة، فقارئ الخبر يتمنى أن يسمع الصحفيون ما يقولونه، فهم الذين يرمون كلماتهم بكل خفة من دون أن يكون لديهم أدنى إحساس بخطورة ما يقولونه، مما يؤدي غالبًا إلى تكوين صور خاطئة عن الحقيقة، ﻭ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﺃﺧﺮﻯ سيادة “ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻷﻭﺩﻳﻤﺎﺗﻴﺔ” على الوسط الإعلامي، التي تعني ببساطة قياس مدى الإقبال الجماهيري على القناة كل خمس عشرة دقيقة، ومعرفة اهتمامات الجماهير المختلفة، وقياس العناصر الديموجرافية للمشاهدين لمعرفة اهتماماتهم،
فهي ﺗﺮﻛﺰ ﻓﻲ ﻣﻀﻤﻮﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻱ ﺍﻟﺒﺮﺍﻣﺞ ﻳﺤﻘﻖ ﺃﻋﻠﻰ ﻧﺴﺒﺔ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ ﺑاﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺘﻘﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻘﻴﺲ ﻧﺴﺒﺔ ﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍﻟﺒﺚ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺃﺩﺕ ﺇﻟﻰ اﺳﺘﻐﻼﻝ ﺍﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺍﻷﻛﺜﺮ ﻣﺸﺎﻫﺪﺓ تجاريًّا ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺃﻛﺜﺮﻫﺎ ﺃﺭﺑﺎﺣًﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺍﻷﻓﻀﻞ ﺑﻐﺾ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻀﻤﻮﻥ ﺫا ﻗﻴﻤﺔ ﺃﻡ ﻻ.
الفكرة من كتاب التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول
يكشف بورديو القناع عن الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام -المرئية منها بشكل خاص- من تلاعب وتأثير في عقول المشاهدين، وكيف تشكل هذه الوسائل الأفكار والرأي العام بما يتناسب مع الجهات المهيمنة على الإعلام، ويجيب الكتاب عن عدد من الأسئلة المهمة، منها: لماذا التليفزيون دون بقية وسائل الإعلام؟ هل يمكن للمفكرين الامتناع عن المشاركة التليفزيونية؟ ولماذا يقبل العلماء والباحثون الاشتراك في البرامج؟ وكيف تُؤَطَّر المعلومات قبل أن تصل إلى المشاهدين؟ وكيف يزيف التليفزيون الحقائق؟ وكيف يتجنب المثقفون هذا التزييف؟
مؤلف كتاب التليفزيون وآليات التلاعب بالعقول
بيير بورديو: عالم اجتماع وفيلسوف فرنسي، ولد عام (١٩٣٠م) في جنوب فرنسا، درس الفلسفة في مدرسة المعلمين العُليا في باريس ونال فيها شهادة الأُستاذية في الفلسفة، ودرس في كلية الآداب في الجزائر واهتم بالدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية، كما درس الفلسفة في السوربون وأصبح مديرًا لقسم الدراسات في مدرسة الدراسات العُليا، ثم مديرًا لمعهد علم الاجتماع الأوربي، وانتُخِب لكرسي علم الاجتماع في “الكوليج دو فرانس”، مات في ٢٣ يناير (٢٠٠٢م).
أنتج بيير بورديو أكثر من 30 كتابًا ومئات من المقالات والدراسات التي ترجمت إلى عديد من اللغات في العالم من بينها اللغة العربية، منها:
– بؤس العالم مع آخرين.
– تأملات باسكالية.
– السيطرة الذكورية.
عن المُترجم:
درويش الحلوجي: تخرج في كلية العلوم جامعة القاهرة، وعمل في مجال البحث العلمي بالمركز القومي للبحوث العلمية بالقاهرة، ثم في المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا.
وله عدد من الدراسات الأكاديمية، منها:
الانتفاضات الشعبية في مصر.
العنف السياسي الاجتماعي في مصر.