الانحطاط السياسي
الانحطاط السياسي
تمثِّل الحرية في المجتمعات المنحطَّة القيمة الأهم، وتبذل كل الجهود للحفاظ عليها من المخاطر، ولكن نطاق تعريف الحرية ينحصر في المتعة والاستهلاك، خصوصًا مع زيادة التمركز حول الفرد، وانتشار اللامبالاة تجاه القضايا الكبرى نتيجة الإخفاقات الحكومية المستمرة التي تتبع سياسات مفكَّكة وتقدم حلولًا عشوائية لمشكلات تظهر فجأة، لعدم وجود أيديولوجيا واضحة، فالساحة السياسية دائمة التحرك بين التسوية والتفاوض.
ومع ذلك زادت حدة الاستقطاب بين المنافسين في أمريكا خصوصًا مع صعود ترامب للرئاسة، بينما اتبع الاتحاد الأوروبي سياسات التوحيد حول مركزية بروكسل وحكومات ألمانيا وفرنسا، ما يعني أن دول الشمال الأوروبي تملي شروطها على باقي أطراف الاتحاد، وسط لا مبالاة تجاه المشكلات التهديدية الكبرى كالهجرة؛ لا مبالاة دفعت إلى حلول متطرِّفة من أكثر المتضرِّرين كبريطانيا التي اتخذت قرار الخروج من الاتحاد منذ بضع سنوات.
جو عام من الإحباط واليأس سمَّم الحياة الاجتماعية، دفع الشباب إلى الانعزال وإلى الانغماس في الملذَّات والألعاب الافتراضية وإدمان المواد الإباحية، والبحث المحموم عن اختبار مشاعر أعنف، والنفور من المشاعر والعلاقات الطبيعية اتجاهًا إلى الإشباع الصناعي، ويمكن ملاحظة أن ذلك يعزلهم عن المشاركة في الحياة السياسية الخارجية، وقد يكون ذلك محبَّذًا لدى العديد من الأطراف، ما جعل الشباب والمراهقين أكثر هدوءًا وقابلية للسيطرة والتوجيه.
ولكن العالم الافتراضي يسطِّح تفكيرهم ويغيِّب وعيهم، فقد تجد خرافات غاية في القدم تعود وتطفو على الساحة من جديد بعد إحيائها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد تؤدي إحدى الخرافات ونظريات المؤامرة إلى أفعال كارثية عنيفة، كالتفجيرات والأعمال الإرهابية، رغم شحنة الغضب والعنف الممارسين افتراضيًّا، من الصعب إن تحاشينا قول مستحيل أن تقنع الفرد الحديث بالتضحية بمعركة حقيقية في سبيل قضية تتطلَّب الإيمان واليقين.
الفكرة من كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
عند ذكر كلمة انحطاط، يتبادر إلى الأذهان التدهور والفساد الأخلاقي، وانغماس الأفراد في المتع والملذَّات دون معنى أو جدوى، ولكن إذا وسَّعنا أفق رؤيتنا ونظرنا إلى الحضارة في ضوء كلمة انحطاط، فإننا سنضمُّ الجوانب السياسية والاجتماعية والتكنولوجية إلى الأخلاقية، وسنحصل عندها على مفهوم شامل لكلمة انحطاط.
يعني الانحطاط في الحضارة التوقُّف عن التقدُّم بسبب فقدان الطاقة، والعمد إلى استهلاك واستنزاف الموارد الطبيعية بلا هدف واضح، وغرق المجتمع في العبث واللاجدوى، ووقوع المؤسسات في التكرار، ولكن كيف تجمع الحضارة الحديثة بين سمات الانحطاط ومعدلات تقدُّمها؟ وهل يقودنا الانحطاط إلى بداية التأخر والتخلف؟ أيمكننا تفادي تلك الظاهرة أم أنها حتمية؟ وما الذي يمكن أن يمثِّل الحل في الخروج من مرحلة الانحطاط؟
مؤلف كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
روس جريجوري داوثت: كاتب ومدوِّن أمريكي شهير في صحيفة نيويورك تايمز، الصوت الأكثر شهرة عن تيَّار اليمين المحافظ الأمريكي، كما أن له خبرة سابقة كناقد سينمائي، ومن أهم أعماله: “الدين السيئ كيف أصبحنا أمة من الزنادقة”، و”الامتياز: هارفارد وتعليم الطبقة الحاكمة” .
معلومات عن المترجم:
عبدالمنعم المحجوب: باحث لغوي ومفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب”، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
وشارك في التأليف: أنس المحجوب.