الانحطاط الاقتصادي
الانحطاط الاقتصادي
إذا تابعنا مؤشرات أداء الاقتصاد الأمريكي، فسوف نجد أن ركودًا تضخَّمت فيه الأسعار قد حدث منذ السبعينيات بعد تحقيق إنجاز أرمسترونج الشهير بالهبوط على سطح القمر، والذي انتشر على أثره الوعود المشعلة لخيال وطموحات وتوقُّعات البشر بغزو الفضاء وحل جميع مشكلات العالم، ليتفاجأوا بعد ذلك بالركود، فتلجأ أمريكا وتتبعها أوروبا إلى ما عرف بسياسات الليبرالية الجديدة، فقامت بخصخصة الخدمات والانسحاب كحكومة تمامًا من السوق، ما نتج عنه نمو في المؤشرات الاقتصادية، ولكنها كانت بطيئة.
ومن مظاهر الانحطاط في العالم الاقتصادي والمالي: ميل الشركات إلى الاحتكار وإجهاض كل محاولات الابتكار وعدم الاستثمار فيها، فالشركات الناشئة الابتكارية تصل إلى مرحلة ما يصبح عندها بيع أسهمها حتميًّا لتفادي خسارة كل شيء، ومع دخولنا إلى عصر الإنترنت والذكاء الاصطناعي، انخفض عدد ما نحتاج إليه من عمالة، وارتفعت الأرباح أكثر مع محدودية مساحتها، لأنها تتراكم بطريقة تزيد من الهوَّة بين الطبقات، فتميل الشركات إلى الحفاظ على الوضع السائد.
وسط سماح الحكومة بتلك الممارسات تحت شعارات تشجيع الاستثمار وآليات السوق الحديث، يدافع الأغنياء عن جدارتهم بتلك الثروات، ويزدادون انعزالًا عن المجتمع، ويرتفع العداء بين الطبقات التي ترى بوضوح أن التقدم الأحادي في التكنولوجيا لا يخدم إلا الطبقة الغنية، حتى التقدم الطبي لا يحل المشكلات الصحية التي يعانيها أغلبية المرضى مثل السرطان، بل تعالج حالات هامشية معقَّدة، ولا أمل في المستقبل بسبب الانخفاض المستمر في أموال دعم للأبحاث لقلة النتائج.
الفكرة من كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
عند ذكر كلمة انحطاط، يتبادر إلى الأذهان التدهور والفساد الأخلاقي، وانغماس الأفراد في المتع والملذَّات دون معنى أو جدوى، ولكن إذا وسَّعنا أفق رؤيتنا ونظرنا إلى الحضارة في ضوء كلمة انحطاط، فإننا سنضمُّ الجوانب السياسية والاجتماعية والتكنولوجية إلى الأخلاقية، وسنحصل عندها على مفهوم شامل لكلمة انحطاط.
يعني الانحطاط في الحضارة التوقُّف عن التقدُّم بسبب فقدان الطاقة، والعمد إلى استهلاك واستنزاف الموارد الطبيعية بلا هدف واضح، وغرق المجتمع في العبث واللاجدوى، ووقوع المؤسسات في التكرار، ولكن كيف تجمع الحضارة الحديثة بين سمات الانحطاط ومعدلات تقدُّمها؟ وهل يقودنا الانحطاط إلى بداية التأخر والتخلف؟ أيمكننا تفادي تلك الظاهرة أم أنها حتمية؟ وما الذي يمكن أن يمثِّل الحل في الخروج من مرحلة الانحطاط؟
مؤلف كتاب المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟
روس جريجوري داوثت: كاتب ومدوِّن أمريكي شهير في صحيفة نيويورك تايمز، الصوت الأكثر شهرة عن تيَّار اليمين المحافظ الأمريكي، كما أن له خبرة سابقة كناقد سينمائي، ومن أهم أعماله: “الدين السيئ كيف أصبحنا أمة من الزنادقة”، و”الامتياز: هارفارد وتعليم الطبقة الحاكمة” .
معلومات عن المترجم:
عبدالمنعم المحجوب: باحث لغوي ومفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب”، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
وشارك في التأليف: أنس المحجوب.