الانتقال بالمنهج
الانتقال بالمنهج
لم تكُن هذه النقلة إلا نتيجة للنقلات السابقة إذ يؤدي المنهج دورًا محوريًّا في حركة الإنسان التفاعلية مع الأفكار والثقافات ودون منهجية واضحة نفقد الطريق الموصل إلى الأهداف.
ولأن العقل العربي كان يعاني السذاجة والتسطيح في التعامل مع الظواهر والأشياء من حوله جاء الخطاب القرآني لينقله نقلة نوعية مانحًا إياه مقوِّمات الإبداع والظفر.
ويمكننا اختصار هذه النقلة في ثلاثة مسارات تضمَّنها الطرح القرآني في معالجة المشكلة ووضع ثمارها التي تنتظر القطاف أمام الأعين والألباب دانية للمجتهد المستزيد.
وهذه المسارات الثلاثة تمثَّلت في: السببية؛ وهي ما منحت العقل المسلم رؤية تركيبية جديدة للكون والطبيعة من حوله يستطيع بها الربط بين الظواهر وفهم العلاقة بين الأسباب والمسبِّبات الموصلة إلى النتائج الصحيحة.
وكذلك التاريخ، فقد كان تأكيد أن التاريخ سنن وقوانين ثابتة ماضية من صلب المحكم القرآني والأطروحة القرآنية في هذا الصدد كانت سابقة من نوعها، فوضع القرآن بذلك أصولًا منهجية للتعامل مع التاريخ متجاوزًا العروض المجرَّدة إلى مرحلة استخلاص العبر والدروس.
والنقطة الثالثة هي المنهج الحسي التجريبي، إذ أكد القرآن الكريم أهمية الحواس ومسؤوليتها، وأنها مكلفة ومحاسبة ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾.
فلم تكن العشرات من آيات التفكُّر والتأمُّل والتدبُّر والعلم والتعقُّل إلا صيغ التأكيد أن الإسلام يضع الإنسان فردًا كان أو جماعة في قلب الاشتباك مع العالم والطبيعة، ويؤكد مسؤوليته الأخلاقية والتاريخية تجاه الكون المستخلف فيه.
الفكرة من كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
جاء هذا الدين الجديد حاملًا معه لواء التغيير للتصوُّرات والمعتقدات والمنهجيات وآليات العمل، يتقابل فيها علم الله اللامحدود مع العقل البشري وإمكاناته المحدودة، موضحًا كيف يمكن للعقل الإنساني هضم هذه التصوُّرات وتشرُّبها لتتفتَّح أمامه فيما بعد مساحات من الآفاق الواسعة التي تدفعه بدورها إلى مقدمة التاريخ مشاركًا وفعالًا يقفز عبر الزمان والمكان متجاوزًا حدود المنطق في توافق وانسياب مع سنن الكون ونواميسه ضمن عملية تبادلية فائقة التناظر من الأخذ والعطاء تسير في مساقات واحدة وتصبو نحو تحقيق هدف واحد.
مؤلف كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
الدكتور عماد الدين خليل الطائي، ولد في الموصل عام 1941م، وهو أديب ومؤرخ عراقي الأصل وحاصل على إجازة في الآداب من جامعة بغداد عام 1962م، وماجستير في التاريخ الإسلامي عام 1968م ودكتوراه في التاريخ الإسلامي، وله مؤلفات كثيرة في التاريخ والأدب والمسرح والشعر والفنون والدراسات النقدية.
وله نشاطات علمية عديدة، إذ عمل مشرفًا على المكتبة المركزية في جامعة الموصل عام 1986م، وشغل منصب العميد في الجامعة لأعوام، واشتغل مديرًا لقسم التراث ومكتبة المتحف الحضاري في المؤسسة العامة للآثار والتراث في الموصل (1977/ 1978)م، وعمل أستاذًا للتاريخ الإسلامي ومناهج البحث وفلسفة التاريخ في كلية آداب جامعة صلاح الدين في أربيل (1987/ 1992)م، ثم في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي (2000/ 2002)م.
من مؤلفاته: “مدخل إلى الحضارة الإسلامية”، و”مدخل إلى التاريخ الإسلامي”، و”أشهد أن لا إله إلا الله (سيرة ذاتية)”، و”الغايات المستهدفة للأدب الإسلامي: محاولات في التنظير والدراسة الأدبية”.