الانتقال بالتصوُّر والاعتقاد
الانتقال بالتصوُّر والاعتقاد
بينما كان العقل العربي يغرق في فجوة الزمان تلك على فترة من الرسل، وتلتهمه مستنقعات الوثنية ومشاهد تسطيح العقل والحد من فاعليته في أبشع الصور وتسترقه الخرافة وتثقل كاهله الأباطيل جاء الإسلام على انقطاع من الرسالات بدعوته التعبوية الدافعة لهذه العقول من النقرات الضيقة إلى الآفاق النيرة، مذكرًا بقيمة العقل وضرورته ومخرجًا الأفهام من ظلال الزوايا الضيقة إلى النور والسعة ومن السذاجة إلى النبوغ، ومن الرجس والدنس إلى نقاء المعتقد وسلامته، ناقلًا الألباب من التعدُّدية إلى التوحيد ومن حاكمية المادة إلى فضاءات القناعات المتعالية على دلالات الحس القريب تتدفَّق ثوابته مع مسلَّمات الفطرة النقية ومعطيات العقل الصريح في انسياب وانسجام وتناظر، فكانت هذه النقلة بمثابة حجر الأساس لكل التغيرات التي جاءت تبعًا لذلك، وأحد أسرار التحول الجذري الكامل من الضد إلى الضد، فتشكَّلت العقول تشكُّلا – جديدًا – فريدًا أعاد إلى العقل مكانته ومنحه القدرة على الانطلاق والتحرُّك والإبداع مرتكزًا على قيم شاملة ثابتة ورؤى محمكة واضحة، إذ ليس بمقدور عقل مهما بلغ من براعة أن يبدع ويعطي وهو رهين للخرافة والتسفيه.
وبالقدر الذي قفزت به هذه النقلة لتصور المعتقد فقد كانت نقلة تحرُّرية بامتياز؛ حرَّرت العقول من القهر الذي كانت تفرضه المعتقدات الباطلة باسم الدين مانحة الإنسان حق الحرية في الاعتقاد والتوجه والتعبد وتحديد المصير.
الفكرة من كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
جاء هذا الدين الجديد حاملًا معه لواء التغيير للتصوُّرات والمعتقدات والمنهجيات وآليات العمل، يتقابل فيها علم الله اللامحدود مع العقل البشري وإمكاناته المحدودة، موضحًا كيف يمكن للعقل الإنساني هضم هذه التصوُّرات وتشرُّبها لتتفتَّح أمامه فيما بعد مساحات من الآفاق الواسعة التي تدفعه بدورها إلى مقدمة التاريخ مشاركًا وفعالًا يقفز عبر الزمان والمكان متجاوزًا حدود المنطق في توافق وانسياب مع سنن الكون ونواميسه ضمن عملية تبادلية فائقة التناظر من الأخذ والعطاء تسير في مساقات واحدة وتصبو نحو تحقيق هدف واحد.
مؤلف كتاب أصول تشكيل العقل المسلم
الدكتور عماد الدين خليل الطائي، ولد في الموصل عام 1941م، وهو أديب ومؤرخ عراقي الأصل وحاصل على إجازة في الآداب من جامعة بغداد عام 1962م، وماجستير في التاريخ الإسلامي عام 1968م ودكتوراه في التاريخ الإسلامي، وله مؤلفات كثيرة في التاريخ والأدب والمسرح والشعر والفنون والدراسات النقدية.
وله نشاطات علمية عديدة، إذ عمل مشرفًا على المكتبة المركزية في جامعة الموصل عام 1986م، وشغل منصب العميد في الجامعة لأعوام، واشتغل مديرًا لقسم التراث ومكتبة المتحف الحضاري في المؤسسة العامة للآثار والتراث في الموصل (1977/ 1978)م، وعمل أستاذًا للتاريخ الإسلامي ومناهج البحث وفلسفة التاريخ في كلية آداب جامعة صلاح الدين في أربيل (1987/ 1992)م، ثم في كلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي (2000/ 2002)م.
من مؤلفاته: “مدخل إلى الحضارة الإسلامية”، و”مدخل إلى التاريخ الإسلامي”، و”أشهد أن لا إله إلا الله (سيرة ذاتية)”، و”الغايات المستهدفة للأدب الإسلامي: محاولات في التنظير والدراسة الأدبية”.