الانتباه.. بترول الفضاء السيبراني
الانتباه.. بترول الفضاء السيبراني
دعنا نتساءل عن الهدف الذي تسعى كبرى منصات الإنترنت للحصول عليه، المشاهدات؟ الزيارات؟ أم عدد التفاعلات؟ حسنًا، ماذا لو أخبرتك أن أهم هدف تسعى له هذه المنصات هو انتباهك؟ نعم! يُعد الانتباه اليوم بترول الفضاء السيبراني والمورد الذي يستحوذ على أهمية كبرى في عالم الاقتصاد والسياسة، خصوصًا مجالات المال والأعمال والحملات الترويجية والدعايا الانتخابية، وكذلك في عدد كبير من المؤسسات العامة والخاصة، إذ يسعى الجميع لجذب انتباهك في ظل التوافر الضخم للبيانات والتعددية في كل شيء، وفي ظل هذا السعي نمت المجالات المختصة بالتسويق والدعاية، وكذلك مجالات التصميم الجرافيكي والفوتوشوب والمونتاج، لما لها من دور كبير في الاستحواذ على الانتباه وجذب العين من خلال الصور والألوان والتصميمات المختلفة.
وكذلك بدأ تركيز الشركات الكبيرة ينصب على الإعلانات لجذب انتباه المستهلكين في ظل سوق تسيطر عليها المنافسة والصراع، وهذا ما يُسمي “باقتصاد الانتباه | Attention Economy”. ويعد اقتصاد الانتباه أحد الفروع الحديثة لعلم الاقتصاد، ويعني التعامل مع انتباه الأفراد كسلعة ثمينة ونادرة. وقد صيغ مفهوم اقتصاد الانتباه لأول مرة عام 1971 بواسطة “هربيرت ألكسندر سيمون | Herbert A. Simon” عالم الاقتصاد الأمريكي الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، وإليك الآن بعض التقنيات المستخدمة لغرض جذب انتباهك وأولها: تقنية التصفح اللانهائي، بدأت هذه التقنية مع المهندس “أزا راسكين | Aza Raskin” ليظهر المحتوى المقدم على التطبيقات ومواقع الإنترنت كأنه صفحة واحدة لا نهاية لها، مما يساعد على بقاء المستخدم لمدة أطول، والاستمرار في التنقل من منشور إلى آخر دون هدف معين، ومن التقنيات المهمة أيضًا تلك المتعلقة “بواجهة المستخدم | User Interface” ويرمز لها بالرمز UI، وكذلك “تجربة المستخدم | User Experience” ويرمز لها بالرمز UX. فالتطبيق الناجح هو الذي يأخذ في اعتباره حاجة المستخدم، ويساعده على تلبية احتياجاته في أقل وقت وبأسهل طريقة ممكنة، ومن ثم يبقى المستخدم متعلقًا بالتطبيق وتظل في ذاكرته التجربة المميزة فلا يفكر في تجربة أي بدائل أخرى.
وبالإضافة إلى التصفح اللانهائي والاهتمام بواجهة وخبرة المستخدم، هناك تقنية صناعة العادة، فجميع المنصات والمواقع الكبرى تسعى لأن يكرر المستخدم تصفحه وزيارته لها مدة طويلة، وعندما تنجح الشركات في جعل المستخدم يعتاد استهلاك منتجاتها أو تصفح مواقعها ومنصاتها، تحصد بذلك فوائد كبيرة منها ارتباط المستخدم بها، ومن ثم تستمر القيمة المرتفعة لمنتجاتها والنمو الكبير لمؤشراتها، والتفوق في الجانب التنافسي مع الشركات الأخرى.
الفكرة من كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
كم مرة بحثت عن منتج ما لتجده يظهر أمامك في كل مكان؟ وكم مرة توقفت عند منشور أو صورة أو فيديو فتجد أمثاله يلاحقونك في كل المنصات؟ وكم ساعة تقضيها على الإنترنت يوميًّا؟ ولأي مدة تستطيع التركيز دون أي انقطاع في عملك أو مذاكرتك؟ تراكمت عليك الأسئلة أليس كذلك؟ لا بأس، توقف قليلًا وفكر في الإجابة وعد سريعًا لتكتشف ما وراء هذه الأسئلة وما وراء إجاباتك أيضًا. فنحن على وشك رحلة لاستكشاف عالم الإنترنت منذ بدايته وحتى وصولنا إلى هنا، والتغيرات المصاحبة له في كل جوانب حياتنا، والأهداف الخفية التي تسعى إليها شركات الإنترنت الكبرى وعلاقتها بانتباهك وبياناتك. مستعد؟ إذًا، لنبدأ.
مؤلف كتاب اقتصاد الانتباه في عصر المراقبة السيبرانية
علي فرجاني: خبير إعلامي واستشاري علاقات عامة مصري، وكاتب محتوى ومتحدث في الذكاء الاصطناعي والفضاء السيبراني، حصل على بكالوريوس الإعلام وماجستير علوم الإعلام والاتصال من جامعة القاهرة، كما حصل على درجة الدكتوراه الفخرية في علوم الإعلام والاتصال. وحصل كذلك على الزمالة العلمية من الجمعية المصرية للعلاقات العامة.
ومن مؤلفاته:
مهارات المتحدث الإعلامي.
التقنيات الرقمية وتطبيقاتها في الإعلام.
العلاقات العامة واستراتيجيات الاتصال.