الاعتقادات المسبقة تحجب الحقيقة
الاعتقادات المسبقة تحجب الحقيقة
فلنتخيل معًا أن هناك هاتفًا متصلًا بقمر صناعي سقط على جزيرة نائية، وتسكن تلك الجزيرة قبيلة بدائية لم تتصل بالحضارة الحديثة حتى الآن، وعندما وقع هذا الهاتف في يد أبناء تلك القبيلة قاموا بالضغط على الأزرار الموجودة على سطح الهاتف، فسمعوا أصواتًا مختلفة عند الضغط على تسلسل معين للأرقام، وهنا سنكون أمام أربعة احتمالات كرد فعل لهذا الموقف: أولها، سيعتقدون في البداية أن الهاتف هو الذي يصدر تلك الأصوات، وثانيها، أن العلماء منهم عندما يعاودون الضغط على نفس تسلسل الأرقام ويسمعون نفس الأصوات، سيستنتجون أنها من خصائص الهاتف، وثالثها، أنه عندما يجتمع مجلس القبيلة وبعد نقاش طويل حول الهاتف والأصوات الصادرة عنه سيتوصَّلون إلى أن هذه الأصوات صادرة عن أناس أحياء مثلهم يتمتَّعون بالوعي، ولكن يتكلمون لغة مختلفة، وسيحاولون أن يستخدموا وسيلة الاتصال (الهاتف) للتواصل معهم محاولين أن يتوصلوا إلى فهم أكبر للعالم الذي يتجاوز جزيرتهم، رابعها، أن بعض علماء القبيلة سيضحكون من تلك الفكرة السابقة، ويقترحون أن يقوموا بتكسير وتدمير تلك الآلة، وبالتالي ستتوقَّف تلك الأصوات، ما يعني أنها صادرة عن الآلة وليست وسيلة تواصل لأناس آخرين خارج جزيرتهم!
والنتيجة هنا -كما يرى أنتوني- أن النظريات والاعتقادات المسبقة تشكِّل الطريقة التي نرى بها الدليل بدلًا من أن ندع الدليل هو الذي يشكِّل نظرياتنا واعتقاداتنا، وهذا بالضبط ما يفعله الملحد، فهو لا يحاول أن يفسر الكيفية التي وجد بها هذا العالم ويقول: “إنه موجود وكفى”، حاله مثل حال هؤلاء الذي قاموا بتدمير (الهاتف) معتقدين أن في تدميرهم له إجابة على عدم وجود أناس آخرين!
الفكرة من كتاب هناك إله .. كيف غيرَّ أشرس ملحد رأيه؟
ظل “أنتوني فلو” لمدة نصف قرن يدافع عن الإلحاد في كل مكان وفي كل مناسبة، مصرحًا بأنه لا يوجد إله لهذا الكون، حتى أنه كان يُعد من أشرس الملاحدة في القرن العشرين، وفي عام 2004 أعلن -فلو- لأول مرَّة أنه يؤمن بوجود إله لهذا الكون، إلا أن الملاحدة أمثال “ريتشارد دوكينز” قاموا باتهام “فلو” بأنه قد أصابه الخَرَف بسبب كبره في السن، وخوفه مما سيؤول إليه بعد الموت، إلا أن “فلو”، وردًّا عليهم كتب هذا الكتاب ليبيِّن لهم وللجميع أنه ألحد عندما كان الدليل الذي بين يديه يشير إلى عدم وجود إله، وأنه الآن قد توافرت العديد من الأدلة التي تشير إلى وجود الإله، وأنه يتبع الدليل حيثما يقوده، حيث يجب على الفيلسوف أن يتبع الدليل أينما يقوده، وهذا ما طبَّقه أنتوني فلو.
مؤلف كتاب هناك إله .. كيف غيرَّ أشرس ملحد رأيه؟
أنتوني فلو ، هو فيلسوف بريطاني، عمل مدرسًا للفلسفة في جامعة أكسفورد، عاش أغلب حياته ملحدًا، إلا أنه في عام 2004 أعلن أنه أصبح مؤمنًا بوجود إله، تُوفِّي عام 2010، ومن أهم كتبه وأشهرها: “هناك إله”.
معلومات عن المترجم:
الدكتور صلاح الفضلي، حاصل على بكالوريوس في علوم الكمبيوتر، إلى جانب أنه حاصل على درجة الماجستير في الفلسفة.