الاشتغال بالتأصيل الإيماني للخطاب التربوي
الاشتغال بالتأصيل الإيماني للخطاب التربوي
يقوم المبدأ الثاني للنظرية التربوية على وجوب “الاشتغال بالتأصيل الإيماني للخطاب التربوي”، الذي ينبثق من خصوصية الإسلام، تلك الخصوصية التي تقوم على ركنين أساسيين، الأول: “عالمية الإسلام”، فلا دين أشمل منه، والثاني: “خاتمية الإسلام”، فلا دين أكمل منه، وبناءً على ذلك وجبَ علينا عند إعادة النظر في الخطاب التربوي التاريخي المنقول أن نقوم بممارسة “النقد الإيماني” لهذا الخطاب لإعادته إلى حظيرة الدين، ولا يقصد بالنقد الإيماني التعرض للعقائد، بل المراد بيان مواطن الانفصال عن الحقيقة الدينية، وتصور كيفيات إعادة الاتصال بتلك الحقيقة الدينية.
وعند عرضنا الخطاب التربوي المتداول على ميزان النقد الإيماني، سنجده مختلطًا بآفات عدَّة، آفات لا بدَّ أن تدفعها النظرية التربوية الإسلامية، ومن تلك الآفات: “قيام الحداثة بفصل الكثير من المقولات والمسائل التربوية عن أصلها الديني”، حيث إن مُنتجات الحداثة من المقولات والمسائل هي نتيجة القطيعة مع الدين، لذا فإن كل منقول حداثي معُترض عليه حتى تعاد صِلته بالحقيقة الدينية، ويكون الاعتراض بالنقد الإيماني للمنقول الحداثي قائمًا على الاختبار ومحو ذلك الانفصال عن الدين.
ومثال ذلك: مفهوم “المواطنة”، فهو مفهوم وُضِعَ على أساس إلغاء الاعتبار الديني حتى بين أهل الدين الواحد، كما أنه يتقيَّد بحدود الدولة ويختلف باختلاف الأوطان، لذا يجب تغييره إلى مفهوم “المُخالَقة” المستنبط من قول النبي (ﷺ): “وخالق الناس بخُلُقٍ حسن”، حيث إن هذا المفهوم يحفظ الصلة بالدين، مع إقراره بنفس الحقوق التي تُقرُّ بها المواطنة، فتصبح الأخلاق هي الجامع بين المواطنين، بينما تكون الحقوق جزءًا من تلك الأخلاق، كما أن المُخالَقة لا تتقيَّد بحدود الدول ولا تختلف باختلاف الأوطان.
الفكرة من كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
تعرضت مفاهيم تربوية كثيرة وأحكام دينية للتحريف والتحوير، حتى أصبح المُسلم المعاصر يُسلِّم بوعي أو دون وعي للمفاهيم الحداثية (العَلمانية) أو (العلموية) وغيرهما، وبناءً على ذلك يرى طه عبد الرحمن بوجوب قطع الصلة بذهنية “الإنسان الأبتر” مقطوع العطاء، معطل الإرادة، المنقطع عن تراثه ولغته ودينه، وإنشاء ذهنية “الإنسان الكوثر” كثير الخير، دائم العطاء، المتواصل مع تراثه ولغته ودينه، وذلك عن طريق تأسيس نظرية “فلسفية تربوية إسلامية” تقوم على العقل المؤيد الموصول بالشرع، والمسدد بمقاصده الشريفة، الناتجة عن تفاعل اللغة والعقيدة في عقل المسلم، واضعة نصب أعينها أن كل منقولٍ حداثي مُعترَض عليه حتَّى تُعاد صِلته بالحقيقة الدينية.
مؤلف كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي، كتب عشرات الكتب، منها: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”سؤال الأخلاق”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، وغيرها.