الاستعمار
بدأ الأمر بالسعي والاكتشاف لتحريك التجارة وتوسيع الآفاق، وانتهى بالاستعمار، الذي ومن بين كل الكوارث التي سبَّبتها البشرية هو الأسوأ والأقصى فداحة، وتُقدَّر الوفيات التي خلفتها الحركة الاستعمارية الأوروبية في القرن العشرين فقط بنحو 50 مليون شخص، وفي الأمريكتين فقط وخلال مائة عام من استعمارها، قدر أن 90% من السكان الأصليين قد أبيدوا بالعنف والعمل القسري والقتل، ومعسكرات التعذيب، وبيع البشر كسلع جنسية، يقدر الرقم بعشرات الملايين لكننا لا نعلم التعداد الأصلي للسكان، لذا فإننا لا نستطيع حتى معرفة فداحة ما فعلناه!
وباسم الصدقة، قام ملك بلجيكا بشراء مليون ميل مربع من حوض الكونغو كملكية شخصية، كان من المفترض أنها مهمة خيرية لنقل الحضارة لشعب الكونغو، لكنها تحوَّلت إلى محرقة مات ضحيتها عشرة ملايين شخص خلال عقدين من الزمن، إذ أجبر السكان على العمل في تصنيع المطاط وكانت عقوبة تأخر الإنتاج هي الموت وقطع الأيدي لإحصاء الجثث! أطلق الملك ليوبود على تلك المستعمرة اسم “الكونغو الحرة”!
كان لا بدَّ أن نبرِّر لأنفسنا ما فعلناه، تعلَّلنا بأن تلك الشعوب التي أبيدت هي شعوب غير متحضِّرة همجية، لم تكن لتستطيع الاستفادة من ثرواتها على كل حال، لقد صدَّقنا أساطير عن حال الشعوب التي غزوناها، ومن ثم نسجنا أساطير البطولة عن قادة الاستعمار الذين تنسال الدماء بين سطور تاريخهم، وليس مستغربًا أن كولومبوس كان يؤمن أنه يقوم بعمل الرب في نشر المسيحية، بينما كان يستعبد الشعوب الأصلية، وكان مبررًا بالطبع تدمير بريطانيا عشرات الآلاف من سجلاتها في أثناء مغادرتها إفريقيا وحرقها ورميها في البحر، لقد أرادوا محو ما حدث من ذاكرة التاريخ، وعلى عكس ما قد تظن فإننا لم نتجاوز هذه الفترة الاستعمارية بل نحن الآن في منتصفها، ورفاهيتنا واقتصادنا الهائل هي ثمار هذا الاستعمار، وسرقة كل ثروات العالم.
الفكرة من كتاب البشر.. موجز تاريخ الفشل وكيف أفسدنا كل شيء
“لقد وضعت كتابي هذا لأحكي فيه عن البشر وقدرتهم العجيبة على تخريب كل شيء، عن كل لحظة امتلأنا بها فخرًا لكوننا بشرًا أمام عمل فني لا يضاهى، أو إنجاز علمي تفوَّقنا به على أنفسنا، بينما الحسرة واليأس يملآن قلوبنا لأجل كل تلك الحروب والتلوث الذي لا يضاهيه شيء”.
يتحدث هذا الكتاب عن أخطاء البشر على مدى التاريخ، في كل المجالات؛ سواء البيئة والسياسة والحروب والتكنولوجيا، فقد كانت الأسباب التي جعلتنا قادرين على تحقيق أعظم الإنجازات من قدرة على التحليل والتخيُّل ورغبة في المعرفة، هي نفسها الأسباب التي أفسدنا بها كل شيء، فالبشر كانوا ولا يزالون يعانون قصر النظر، وعدم القدرة على التنبؤ الدقيق بمآلات أفعالهم، ومع التطور التكنولوجي الهائل الذي صحبه معدل تغير سريع للغاية في الأحداث، كان من الصعب مواجهة تلك المشكلة التي تفاقمت بالفعل، ففي عالم اليوم هناك شيء ما يحدث لأول مرة كل يوم.
مؤلف كتاب البشر.. موجز تاريخ الفشل وكيف أفسدنا كل شيء
توم فيليبس Tom phillips: صحفي ومؤلف، وهو محرِّر منظمة Full Fact، وهي مؤسسة خيرية مستقلة لمراجعة الحقائق في المملكة المتحدة، شغل سابقًا منصب مدير التحرير في BuzzFeed UK، كما عمل أيضًا مع MSN وMetro، وفي تطوير التلفزيون.
من كتبه ومؤلفاته:
الحقيقة.. لمحة مختصرة عن تاريخ الهراء.
البشر.. موجز تاريخ الفشل وكيف أفسدنا كل شيء.