الاستبداد وطريق التخلصِ منْه
الاستبداد وطريق التخلصِ منْه
إن الأمة جمعٌ من الناس بينهم روابط دين أو جنس أو لغة أو أرض ولهم وبينهم حقوق مشتركة ولكل فرد حقّ إشهار رأيه فيها، والحكومة هي سلطة امتلاك فردٍ لمجموعة يتصرف في أعمالهم بإرادة الأمة لأجل إدارة شئونها وحقوقها، فما هي تلك الحقوق؟ إنها تشمل القوانين والمعاهدات وحفظ الدين والآداب العامة والإتجار والعدل والنظام والحفاظ على الأمن العام إلى غير ذلك من حقوق، وبالطبع الكل متساوون في هذه الحقوق.
يقول الكواكبي إن الأمة التي لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية، فإن الأمة التي ضُربت عليهم الذلة والمسكنة تصير كالبهائم لا تسأل أبدًا عن الحرية والعدالة، ولكنها قد تنقم على المستبدّ نادرًا لكن طلبًا للانتقام من شخصه لا للخلاص من الاستبداد.
كذلك فإن الاستبداد لا يقاوم بالشدة، وإنما يقاوم باللين والتدرج، فالوسيلة الوحيدة الفعالة لإزالة جذور الاستبداد هي رُقيّ الأمة في إدراكها وإحساسها، وهذا لا يتأتّى إلا بالتعليم والتحميس وهذه عملية طويلة زمنيًّا قد تصيب العوام بالإحباط وتُشعر المستبد بالجبروت، وكذلك فإن اللين مطلوب لأن الطرف الآخر يمتلك من القوة ما يكفي لوأد أي محاولة تغيير محتملة، وإلا قد تشتعل نارُ فتنةٍ تحصد الأرواح حصدًا.
ويجب قبل مقاومة الاستبداد تهيئة البديل، فإن معرفة الغاية شرطٌ طبيعي للإقدام على كل عمل، فلا بدَّ تعيين المطلب والخطة تعيينًا واضحًا موافقًا لرأي الكل أو الأكثرية وإلا فلن يتم الأمر، فإذا كانت الغاية غير واضحة والخلاف هو السائد فلا حَراك لئلّا يفسد العمل وينقلب انتقامًا وعنفًا، والمراد بالغاية هو تحديد شكل الحكومة المرادة بديلًا للاستبداد وهذا ليس بالأمر الهيّن فقد نقاوم المستبدّ بسَوق مستبدٍ آخر نتوسم فيه خيرًا فلا نستفيد شيئًا، إنما نستبدل مرضًا جديدًا بمرضٍ آخر مزمن.
الفكرة من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
إن الاستبداد هو أصل كل الشرور والأمراض الاجتماعية، فالاستبداد يدمّر الأخلاق ويبعد العوام عن التدين الحقيقي ويُغلّب التدين الظاهري، وكذلك يحارب على جعلهم جهلاء لا يعلمون شيئًا ولا يتعلمون، ويخلق أيضًا فجوة اقتصادية بين طبقات المجتمع بل ويساعد على تكديس الثروات في أيدي الأغنياء فقط، ويجعل الفقراء أكثر فقرًا، كما أنه يمثل العائق الرئيسي أمام التربية السليمة للأبناء على القيم والمُثُل العُليا، ويقدّم الكاتب مجموعة من الحلول العملية للخلاص من الاستبداد واستبداله بأنظمة عادلة.
مؤلف كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي، وُلِد في التاسع من يوليو عام ١٨٥٥، في حلب بسوريا، وهو مفكّر مُصلح بدأ حياته بالعمل في الصحافة داعيًا للإصلاح والقومية العربية، فتعرض لكثير من المتاعب من قِبَل الدولة العثمانية، فسُجن عدة مرات وعاش شريدًا يطوف العالم العربي داعيًا إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وتجديد الدين، له كتابان مشهوران طبائع الاستبداد أشهرهما، توفّي في الثالث عشر من يونيو عام ١٩٠٢ بالقاهرة.