الاستبداد والمال والفساد
الاستبداد والمال والفساد
من شروط كسب المال وادخاره أن يكون من وجهٍ حلال، وألا يكون فيه تضييق على حاجات الغير كالاحتكار مثلًا أو مزاحمة الصنَّاع والعمَّال الضعفاء في أعمالهم ومصدر رزقهم، وكذلك من تلك الشروط ألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير لأن إفراط الثروة مَهلكة للأخلاق الحميدة في الإنسان ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ اسْتَغْنَىٰ﴾.
وأما عن التعاملات المادية، فلقد حرمت كل الشرائع السماوية الربا لحماية الأخلاق من الفساد، فالربا هو كسب المال دون مقابل مادي ودون عمل، فيبدو فيه معنى الغصْب، ومن ثم يختل التساوي أو التقارب بين الناس.
إن ضرر الثروات الفردية في جمهور الأمم أكبر من نفعها كما يرى الكاتب؛ لأنها تمكّن الاستبداد الداخلي فتجعل الناس صنفين عبيدًا وأسيادًا، وتقوِّي شوكة الاستبداد الخارجي فيسهل للأمم التي تستغني بغنى أفرادها أن تتعدى على حرية الأمم الضعيفة، وهذا هو عين الفساد.
إن الفقير لا يريد أن يناطح الأغنياء في ثرواتهم بل يريد عدم الجوْر عليه وعدم سلبِه حقه، هذا الحق القليل جدًّا بالنسبة لأولئك الأغنياء، ويؤكد الكواكبي أن الاستبداد من طبائعه أنه لا يظهر فيه أثر فقر الأمة ظهورًا بيّنًا إلا قُرْب قضاء الاستبداد نحبه، وأسباب ذلك أن الناس يقتصدون في النسل وتكثر وفياتهم ويكثر تغربهم ويبيعون أملاكهم فتتقلص ثرواتهم.
الفكرة من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
إن الاستبداد هو أصل كل الشرور والأمراض الاجتماعية، فالاستبداد يدمّر الأخلاق ويبعد العوام عن التدين الحقيقي ويُغلّب التدين الظاهري، وكذلك يحارب على جعلهم جهلاء لا يعلمون شيئًا ولا يتعلمون، ويخلق أيضًا فجوة اقتصادية بين طبقات المجتمع بل ويساعد على تكديس الثروات في أيدي الأغنياء فقط، ويجعل الفقراء أكثر فقرًا، كما أنه يمثل العائق الرئيسي أمام التربية السليمة للأبناء على القيم والمُثُل العُليا، ويقدّم الكاتب مجموعة من الحلول العملية للخلاص من الاستبداد واستبداله بأنظمة عادلة.
مؤلف كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي، وُلِد في التاسع من يوليو عام ١٨٥٥، في حلب بسوريا، وهو مفكّر مُصلح بدأ حياته بالعمل في الصحافة داعيًا للإصلاح والقومية العربية، فتعرض لكثير من المتاعب من قِبَل الدولة العثمانية، فسُجن عدة مرات وعاش شريدًا يطوف العالم العربي داعيًا إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وتجديد الدين، له كتابان مشهوران طبائع الاستبداد أشهرهما، توفّي في الثالث عشر من يونيو عام ١٩٠٢ بالقاهرة.