الاستبداد والدين وما بينهما
الاستبداد والدين وما بينهما
يشير الكواكبي إلى أن التشابه في بناء ونتائج كلٍّ من الاستبداد الديني والسياسي؛ يجعل عوام البشر في نقطة يلتبس عليهم فيها الفرق بين الإله المعبود بحقّ وبين المستبدّ المطاع بالقهر، فلا يرون لأنفسهم حقًّا في مراقبة المستبد لعدم وجود تناسب يُذكر بين عظمته ودنائتهم، فيجعلون من المستبد شريكًا في الصفات والتعظيم والتمجيد مع الإله.
إن العلاقة بين الاستبداد السياسي والديني علاقة دائمة، متى وُجد أحدهما وُجد الآخر وإن صلح أحدهما صلح الآخر، وإن كان الإصلاح الديني يسبق الاتجاه السياسي لأنه أسهل وأقوى ويؤدي إليه.
إن الدين الإسلامي دعا كثيرًا في مثل هذا الشأن فنجد أن القرآن يمتلئ بآيات الشورى واستطلاع الآراء فيقول الله عز وجل: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ﴾، فهنا استشارة الملوك للملأ وعدم القطع بأمرٍ إلا برأيهم، وبناءً عليه لا مجال لرمي الإسلام بتأييد الاستبداد، والشواهد على ذلك كثيرة، وأما عن وجوب عدم طاعة الظالمين -وإن أباحها بعض الفقهاء دفعًا للفتن- فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾.
إذًا؛ لا يوجد في الإسلام نفوذ ديني مطلق في غير مسائل إقامة شعائر الدين، ومنها القواعد التشريعية العامة التي تبلغ مائة قاعدة وحُكم، كلها من أجَلّ وأحسن ما اهتدى إليه المشرّعون من قبل ومن بعد، ولكنَّ ضعف بعض الفقهاء وإساءة بعض العلماء مع وجود استبداد من قبل بعض الأمراء، كل ذلك قد أهدى صورة مغلوطة للمتربصين، ألا وهي أن الدين الإسلامي يوافق على الاستبداد، وإذا وجده يدعمه ولا يحرك ساكنًا، وأن هؤلاء المتربصين بذلك قد أغفلوا معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقيمته داخل الشريعة الإسلامية.
الفكرة من كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
إن الاستبداد هو أصل كل الشرور والأمراض الاجتماعية، فالاستبداد يدمّر الأخلاق ويبعد العوام عن التدين الحقيقي ويُغلّب التدين الظاهري، وكذلك يحارب على جعلهم جهلاء لا يعلمون شيئًا ولا يتعلمون، ويخلق أيضًا فجوة اقتصادية بين طبقات المجتمع بل ويساعد على تكديس الثروات في أيدي الأغنياء فقط، ويجعل الفقراء أكثر فقرًا، كما أنه يمثل العائق الرئيسي أمام التربية السليمة للأبناء على القيم والمُثُل العُليا، ويقدّم الكاتب مجموعة من الحلول العملية للخلاص من الاستبداد واستبداله بأنظمة عادلة.
مؤلف كتاب طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد
عبد الرحمن أحمد بهائي محمد مسعود الكواكبي، وُلِد في التاسع من يوليو عام ١٨٥٥، في حلب بسوريا، وهو مفكّر مُصلح بدأ حياته بالعمل في الصحافة داعيًا للإصلاح والقومية العربية، فتعرض لكثير من المتاعب من قِبَل الدولة العثمانية، فسُجن عدة مرات وعاش شريدًا يطوف العالم العربي داعيًا إلى الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية وتجديد الدين، له كتابان مشهوران طبائع الاستبداد أشهرهما، توفّي في الثالث عشر من يونيو عام ١٩٠٢ بالقاهرة.