الارتباط والسببية
الارتباط والسببية
يوجد خطأ شائع يتعلق بالأرقام هو الخلط الحادث بين العلاقة الارتباطية والسببية، فنحن نتصور أنه لوجود علاقة بين شيئين أو تصادف وجودهما في الظروف نفسها، أن أحدهما تسبب في حدوث الآخر.
يوميًّا تداهمنا التقارير الطبية المغالى فيها وتخبرنا بعلاقة سبب ونتيجة مزعومة بين الأطعمة والأمراض، والطب من أكثر العلوم التي تتعرض لتلك المبالغات، وينشر الإخباريون أرقام تلك التقارير على أنها حقائق مؤكدة، لكن ما السبب وراء تلك الدراسات التي لا تخضع لبحث علمي دقيق قبل إعلان النتائج؟ إنه ما يسمى بتحيز النشر، فلأن الناس يميلون أكثر إلى سماع الأرقام المثيرة في ارتفاعها وانخفاضها، لن تنشر المجلات العلمية أبحاثك التي ترى أنه لا يمكن الجزم بوجود علاقة سببية بين بعض الأطعمة ومرض السرطان، وبالمثل لن تفعل وسائل الإعلام، ولهذا فالباحثون يميلون إلى الدفع بدراساتهم ذات الأرقام اللافتة التي توصلوا من خلالها إلى علاقات ارتباط غير أكيدة
أو لم تخضع لاختبارات ممعنة، ويضحون بما هو أدق وأجدر بالنشر، وإن لم يستسلموا لهذه المعايير المجحفة فهم بهذا يضحون بمقاعدهم ليجلس عليه آخرون قادرون على جذب الجماهير أو إثارة ذعرهم، ومثال آخر على الخلط الذي يحدث بين الارتباط والسببية، هو ما ورد في دراسة عن تأثير التدخين في نتائج امتحانات الطلاب، وأن المدخنين أحرزوا درجات أقل، فإذا ظننا أن التدخين هو السبب المباشر في نتائج الاختبارات نكون قد وقعنا في فخ العلاقة السببية المزيفة، وما حدث حقًّا هو أن عدة عوامل أثرت في نتائج الطلاب، فقد يكون الطلاب المدخنون أكثر اجتماعية من غيرهم وهذا سبب انشغالهم عن الدراسة وسوء نتائجهم، لذا فالأمر يتعلق بوجود كثير من التفسيرات المرتبطة بظاهرة واحدة، فلا يحق لنا أن ننتقي من بينها عاملًا وحيدًا يناسب تفضيلنا، لأن ذكره سيحدث صدًى أكبر مع الجماهير.
الفكرة من كتاب الكتاب الأكثر مبيعًا على الإطلاق: كيف تقودنا الأرقام وتضللنا
ما أول شيء لفت انتباهك إلى هذا الكتاب؟ بالطبع إنه العنوان، سوف يدفعك الفضول إلى الاطلاع على الكتاب الذي قرر القراء أنه يستحق تصدر مبيعات متاجر الكتب في هولندا لمدة يعتد بها، وقبل البدء في الكتاب رغبت الكاتبة، من خلال لفت النظر إلى هذا العنوان، بأن ترينا أي مكانة نوليها للأرقام في حياتنا وخياراتنا، فبينما كانت تجري بحثًا حول الفروقات الكبيرة بين الموارد المالية للناس في بوليفيا وتأثيرها في سعادتهم، سألتهم عن الرقم الذي يقدرون به سعادتهم من واحد إلى عشرة، كانت الإجابات تتكرر: واحد، واحد، دون اختلاف مع تغير أسئلة الاستبيان
تسببت تلك الدراسة في تقويض الثقة الكبيرة التي توليها المؤلفة للأرقام منذ صغرها، فلم تستطع اختزال حياة النساء الكادحات اللاتي طرحت عليهن أسئلتها في رقم على مقياس من عشرة أرقام، واكتشفت أن ما يهم هو القصص المختبئة خلف ما نرصده من أرقام. وحاليًّا تحدد الأرقام ماذا نأكل، وأي شيء نشرب، ولمن نمنح صوتنا الانتخابي، ومن نتزوج، وهل سنحصل على الوظيفة التي نريدها أم لا، فتخبرنا المؤلفة من خلال هذا الكتاب أن من الصعب بعد معرفة تلك الأخبار أن نحصن أنفسنا ونتجنب الأرقام تمامًا، فنحن نحتاج إليها بالفعل، لكن نحتاج فقط إلى التمييز بين ما نراه أمامنا من استخدام صحيح للأرقام أو تلاعب، وهل الأرقام في حياتنا بمنزلتها الحقيقية أم لها أولوية في الاختيار والتصديق تسبق العوامل الأخرى المهمة.
مؤلف كتاب الكتاب الأكثر مبيعًا على الإطلاق: كيف تقودنا الأرقام وتضللنا
سان بلو: صحفية هولندية ومحررة حسابية لصالح منصة كوريسبوندانت، حاصلة على الدكتوراه في الاقتصاد القياسي من كلية إيراسموس للاقتصاد.
معلومات عن المترجم:
نور العيون حامد: مترجم ومحقق، له عديد من الترجمات، مثل:
الإصدار الأصفر.
فراشة طوكيو – الحب أو السلطة؟