الاختلاف أمر بديهي وأبدي
الاختلاف أمر بديهي وأبدي
هل يمكننا أن ننادي بانتهاء الخلاف إلى الأبد؟ بعد معرفتنا ألوان الاختلاف في الأمة، فهل هذا أمر طبيعي أم نستطيع تغييره؟
وجود الاختلاف وبقاؤه أمر رباني له مقصد حكيم في الشريعة، فهو موجود في تباين خلق السماء والأرض وأشكال الناس وألسنتهم واختلاف الزمان والمكان وفي كل شيء حولنا، ففكرة أن تخلو الحياة من الاختلاف في الآراء أو تشابه الناس قد تكون مملَّة وعبثية وقد قال الله في هذا ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾، والمعنى أن الاختلاف قدر واقع ومستمر على كل شيء، فتلك سنَّة الله في الخلق حتى في إمكانية اختيار النفس البشرية لطريقها سواء في الحق أو الضلال، ومعرفة ذلك من قبل حدوثه هو تأهيل للمسلم للتعامل بواقعية مع أي خلاف يواجهه دون الشعور بالضيق.
وقد يظن البعض منَّا أن الاختلاف لم يحدثْ إلا لضعف إيمان الناس وابتعادهم عن الطريق القويم وهذا اعتقاد خاطئ، إذ إن أكثر الناس إخلاصًا كالصحابة قد اختلفوا واشتد بينهم الأمر، ومن بعدهم اختلف الأئمة الأربعة، وهم أيضًا من أكثر الناس بُعدًا عن الهوى، وكانوا أكثر فهمًا للقرآن والسنة منَّا، وكان اختلافهم فقط في المسائل التي لم ينزل فيها نصٌّ صريحٌ من القرآن أو السنة، أما المسائل الكبرى الأخرى فكانوا سرعان ما يتفقون حولها، فعندما يقع الخلاف بين من هم أكثر منَّا علمًا وتقوى فمن البديهي أن يحدث بيننا ونحن الأضعف منهم، وحتى لو كان اعتقادًا بأن كثرة الفتن هي سبب الاختلاف، فلا ضرر من ذلك، حيث إننا بالفعل نقل إيمانًا بالتدريج عن الأمم التي تسبقنا، وهذا يزيد الأمر صعوبة علينا، ويجعل القابض على دينه كالقابض على الجمر.
ومن أهم ما ينصح به العلماء طلبةَ العلمِ أن يعتزلوا الخلاف في القضايا الجدلية لأنهم يفسدون فيها أكثر من الإصلاح، وأن ينشغلوا بتعليم ما يعينهم على أمور دينهم، وأن التصدي للخلاف ليس من الشجاعة، بل من الحمق أن تدفع نفسك إلى فتن لا تأمن شرها.
الفكرة من كتاب كيف نختلف؟
“إن أمة مشتَّتة، متفرِّقة القوى، متضادة الاتجاهات، مختلفة الأهداف والرُّؤى؛ لا يمكن أن تكون قويةً، ولا أن تحمل دينًا، ولا أن تقيم دنيا”.. بهذه المقولة انطلق الشيخ سلمان العودة في كتابه هذا ليحفِّزنا على الاختلاف برُقي، وأن يكون خلافنا في الرأي فقط مع وحدة الصف والقلوب.
ويتناول الشيخ محاولة لإعادة صياغة منهجية التفكير للعقل المسلم في قضية الاختلاف وما يتعلَّق بها من إشكالات وتعقيدات، ويشرح مفهوم الاختلاف وأسباب نشأته وآدابه وحدود الاختلاف المقبول؛ إذ إن الاختلاف وتعدُّد الرؤى لم يسبِّب مشكلة للعقل المسلم إلا في عصور الضعف والجمود سواء على مستوى الأشخاص أم الأمم، حتى كان تقبُّل الاختلاف والتجديد دليلًا على مرونة الأمم وتقدُّمها، وأن الاختلاف يجب فقط أن يُجلي الحق ويؤلف القلوب.
مؤلف كتاب كيف نختلف؟
سلمان بن فهد بن عبد الله العودة: عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مجلس أمنائه، وأستاذ جامعي ومفكر سعودي ولد في ديسمبر 1956، وحصل على ماجستير في السُنَّة في موضوع الغُربة وأحكامها، ودكتوراه في شرح بلوغ المرام “كتاب الطهارة”.
وكان من شيوخ الصحوة، إذ شارك في برامج تلفزيونية للدعوة والإصلاح مثل برنامج “وسم”، وبرنامج “إشراقات قرآنية” و”حجر الزاوية”، وقد اهتم بموضوع الاختلاف في العديد من مؤلفاته مثل: “ولا يزالون مختلفين”، “الأمة الواحدة” ، “مقولات في فقه الموقف”، كما كان له العديد من المؤلفات المتميِّزة مثل: “أنا وأخواتها”، و”علمني أبي”، و”لو كنت طيرًا”، و”بناء الفرد”.