الاتصال واللقاء مع الآخرين
الاتصال واللقاء مع الآخرين
لقد خلص الطبيب النفسي الأمريكي “هاري ستاك سوليفان” إلى حقيقة مفادها أنَّ أي أذى وانكماش وأي نمو إنساني إنَّما هو وليد علاقتنا مع الآخرين.
فما أكون عليه من أي لحظة في مسيرة النمو إنما هو رهن بعلاقتي مع الذين يحبونني والذين أحبهم، وكذلك الذين يرفضونني والذين أرفضهم، ومن المؤكد أنَّ قيمة كل علاقة هي رهن بالقدرة على التعبير عن هذه العلاقة.
فإذا كنا -أنا وأنت- قادرين على أن يُحدِّث أحدنا الآخر بصدق عن ذواتنا: عمَّا نفكر، وبما نشعر، عمَّا نحب ونكره، عمَّا نؤمن ونلتزم به، مما نخاف ونخشى، كانت هذه علاقة حقيقية.
يقول الطبيب النفسي السويسري “بول تورنييه”: “لا أحد ينمو بحرية في هذا العالم، ويبلغ ملء قامته، من دون أن يشعر أن هناك شخصًا واحدًا على الأقل يحبه ويفهمه”، ويقول كذلك: “ومن أراد أن يتعرف على نفسه بوضوح، فعليه أن يفتح قلبه لشخص ينتقيه بملء حريته، على أن يكون إنسانًا جديرًا بتلك الثقة”، وآنذاك يستطيع كل منَّا أن يكون ذاته، وحينها نستطيع أن ننضج ونكبر.
وهذا ما يُسمى بالتواصل واللقاء، من خلال المشاركة الفعلية والحقيقية يستطيع أن يشارك كلٌّ منَّا آلام الآخر ويُشعر بشعوره، ويتألم لألمه، يدخل كل منَّا إلى أعماق الآخر دون التماهي فيه بحيث نفقد ذواتنا وملامحنا، وإنما يكون لقاؤنا وانفتاحنا مع الحفاظ على الفردانية والحدود والملامح الشخصية. وما عدا ذلك من العلاقات التي تفتقر إلى الانفتاح والصدق تجعل كلًّا منّا يشعر بالوحدة رغم اجتماعنا والوحشة رغم وجودنا وتلاقينا!
ولكن بعد إدراكك هذا رُبما تقول: قد أتفق معك لكن ما زلت أخاف من أن أنفتح، ما زلت أخشى أن أقول بصدق من أنا، فماذا أفعل؟
الفكرة من كتاب لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟
إنَّ كلمة (اتصال) تعني عملية تبادل وشراكة، فإذا بُحتُ لك بسرٍّ مثلًا أصبحتَ شريكًا لي، وأمسى سرِّي ملكًا لكلينا، فكيف إذا شاركتك خواطري وأفكاري؟
إن هناك ما هو أعمق يمكن أن أطلعك عليه وتشاركني فيه، يمكن أن أقول لك بصدق من أنا، لكنني عندما أحاول أشعر أنَّ هناك ما يمنعني ويحجزني عن فعل ذلك. ولم أدرِ ما هو حتى بصَّرني الأب جان باول بـ”لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟” في هذا الكتاب.
كان جان باول يريد أن يوضح لنا معنى الاتصال الحقيقي بالآخر، لذا كان بكل ما أوتي من بصيرة وحكمة يغوص في النفس البشرية، ليقرِّبنا من أنفسنا، ولأن الاتصال الحقيقي بالآخر يبدأ في الأصل من الاتصال الحقيقي بالنفس والذات، يقدم لنا المؤلف كتابه هذا ليساعد قارئه على تطوير نظرته إلى ذاته، وعلى تعميق علاقته بالآخرين، واضعًا قدمه على طريق النمو والنضج والكمال.
مؤلف كتاب لماذا أخشى أن أقول لك من أنا؟
جان باول اليسوعي: اسمه الحقيقي يوهان باول فريدريش ريشتر، وهو كاتب ألماني، ولد عام 1763 في فونزيدل، كان ابنًا لأحد المدرسين وعاش في ظروف شديدة الفقر، وتوفي والده مبكرًا، وكان من المفترض أن يدرس جان باول علم اللاهوت في لايبزغ، إلا أنه اتجه إلى الكتابة والتأليف، وبعد فترة إعداد طويلة ورفض دور النشر لأعماله، كتب جان باول أعمالًا جعلته مشهورًا لسنوات قليلة، وأهمها: “سر البقاء في الحب” و”السعادة تنبع من الداخل”، و”حب بلا شروط”.
وعندما كتب أحب أعماله إلى قلبه “تيتان.. سنوات المراهقة” لم يجد نجاحًا يُذكر، فاعتزل الحياة وعاش على هامشها إلى أن تُوفِّي في الثانية والستين من عمره في عام 1825 في بايرويت.