الإيقاع
الإيقاع
من يدخلون عالم الرواية باعتبارها حكاية، وتبعًا لذلك يضعون توقعات مسبقة يصابون بخيبة أمل شديدة عندما يلاحظون بطء إيقاع الحكاية بالوصف، حيث يخلط كثيرون بين الحكاية والرواية، ناسين أن الحكاية مكون واحد من مكونات الرواية، فالرواية هي الحكاية وطريقة الحكي وأشياء أخرى معًا، وأن القارئ الذي يتذمَّر من قراءة كل سطر يقع خارج نطاق الحدث الرئيس، هو القارئ الذي يحسب قراءة الرواية كمشاهدة مقطع فيديو يحصل منه على لحظة ما ويخرج، ولكن ليست هذه غاية الأدب، بل أحيانًا تكون غايته الإبطاء، والوصف إحدى سياسات البطء التي يلجأ الروائي إليها ليختزل نصه في الحكاية، فهناك إذن علاقة عكسية بين الوصف والسرد من حيث التأثير في الإيقاع، فالسرد يسرِّع الإيقاع، والوصف يبطئه، وتتغيَّر الحاجة إلى الوصف باستمرار بتغير المعطيات: الموصوف واللغة والحالة الشعورية ومعرفة الكاتب بما سيحدث.
ويحتاج الكاتب أولًا أن يتعرَّف على المعنى الذي يريد كتابته؛ المعنى الداخلي الذي يريد كشفه للعالم، أو المعنى المسمى الحقيقة الروائية، ويعد جورج أورويل النموذج المثالي للكاتب الحساس الذي ذكره باموق من قبل، سائلًا نفسه في كل جملة يكتبها العديد من الأسئلة، وأهم هذه الأسئلة سؤاله عما يحاول قوله؟ لأن العالم مليء بكثيرين ممن يريدون أن يكتبوا دون أن يكون لديهم ما يقولونه، ويفقد الوصف فاعليته، إذا كانت رؤية الكاتب ضبابية لما يريد أن يقول، وكلما ازداد وضوح الصورة في رأس صاحبها، سهل نقلها إلى القارئ، ويصف الكاتب ما هو جوهري، ويتجاهل كل ما هو مجاني وعابر، ويمكن أن يكون الموصوف كبيرًا أو صغيرًا، لكن المهم أن يكون مرتبطًا بالعمل ككل، ويسهم في تعزيز الجو العام، أو ما يطلق عليه “الانطباع”، والأمر كله يعود إلى السلطة التقديرية للمؤلف.
الفكرة من كتاب الحقيقة والكتابة
توضح الكاتبة في هذا الكتاب سحر النص الأدبي، فتتناول الكتابة الوصفية وورشًا تطبيقية كاملة تحمل العديد من الأفكار عن لب العمل الروائي والقصصي والنقل السردي على نحو عام، بالحقيقة التي يبحث عنها الكتَّاب عبر كذبات متنوِّعة بين طيات أفكارهم واقتراحات لقراءات، لتصل بالقارئ في النهاية إلى تطوير قلمه الأدبي.
مؤلف كتاب الحقيقة والكتابة
بثينة العيسى: كاتبة وروائية كويتية، حصلت على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال تخصص التمويل من كلية العلوم الإدارية جامعة الكويت عام 2011. حازت جائزة الدولة التشجيعية عن روايتها “سعار” التي صدرت عام 2005، ومن أعمالها:
خرائط التيه.
ارتطام لم يُسمع له دوي.
عائشة تنزل إلى العالم السفلي.
عروس المطر، تحت أقدام الأمهات.