الإنسان والمجتمع
الإنسان والمجتمع
هل قناعات الإنسان من صنعه أم صنع الآخرين؟ يدرس علم النفس الاجتماعي جوانب السلوك المتأثرة بالآخرين مباشرة أو ضمنيًّا أو رمزيًّا.. يرى ستانلي مليجرام أن طاعة السلطة والخضوع للأقوى من أهم أسباب الضغوط الاجتماعية على الفرد وتجعله يقوم بأفعال مستهجنة؛ ولإثبات ذلك قام بتجربة بحيث يمثل شخص دور متعلم ويتم تقييده وتوصيله بقضبان كهربية تتصل بمولدات تصدر شحنات كهربية متفاوتة الشدة، ويقوم آخر بدور المعلم فيشرح عددًا من الموضوعات بغرض قياس قدرات المتعلم على التذكر، وكلما أخطأ المتعلم صعقه المعلم بصدمات كهربية تزداد تدريجيًّا بأمر من المجرب الذي يمثل دور السلطة، وكانت الأجهزة لا توصل أي صدمات ولكن المعلم لم يكن يعرف هذا وقد اختير من مراكز اجتماعية وتعليمية مختلفة، والهدف من التجربة قياس مدى خضوع إنسان عادي لقوة السلطة لتعذيب شخص بريء، فكان عندما يبدأ المتعلم بالصراخ الوهمي يتوسل المعلم للمجرب لإنهاء التجربة فيصده الأخير بصرامة متحملًا عنه كل المسؤولية فلا يجد المعلم أمامه سوى الإذعان، وكانت النتيجة صادمة؛ فنحو ٦٢٪ خضعت لأوامر السلطة حتى وصلت شدة الصدمات الكهربية إلى أقصاها.
من أسباب الانصياع لمعايير الجماعة هو اتقاء العقوبات التي تفرضها على أفرادها، وبخاصةٍ إذا كانت ذات جاذبية للفرد، أو كانت فكرة الفرد غير مكتملة والموقف غامض، وتسهم السمات الشخصيات كضعف الثقة بالنفس وعدم الإحساس بالأمان والمكانة الاجتماعية في قوة الخضوع للجماعة.
للمكان كذلك تأثير في سلوك الإنسان، وتختلف استجابات الفرد في المدينة في الريف عنها في المناطق الجبلية، ومن المفاهيم المرتبطة بالمكان حاجة الإنسان إلى قدر من الخصوصية، ويرسم وستن أشكال الخصوصية متمثلة في الانفراد للقيام بعمل شخصي، والمكان العائلي حيث يتقاسمه مع شخص أو أكثر، والمجهولية حيث يكون في مكان عام دون أن يتعرف عليه أحد، ومما يدفع الإنسان إلى الخصوصية تأكيد الشعور بالفردانية والاستقلال الشخصي والتحرُّر من الضغوط النفسية من الآخرين والتقييم النفسي، وليست الخصوصية كالعزلة؛ فالعزلة قد يُجبر عليها الإنسان ماديًّا أو معنويًّا لعجزه عن الاختلاط بالآخرين.
الفكرة من كتاب الإنسان وعلم النفس
إنَّ ما نعرفه عن الإنسان أقل بكثير مما نعرفه عن العالم المادي، وكم من رجل يستطيع قيادة سيارته بسهولة ولكن ليس له حظ في قيادة ذاته وتقييم تصرفاته، ورغم ذلك باتت بحوث علم النفس تقدِّم اقتراحات لتحسين مستوى الحياة والتعامل مع مشكلات البيئة والمجتمع، وما اجتمع لعالم النفس اليوم يجعله قادرًا على أن يقدم مشورته في كل مجالات الحياة تقريبًا، وأن يعطي استبصارات يمكن توظيفها لخدمة الإنسان في بنائه النفسي والصحي وعلاقاته بالآخرين، ويقدم العالم الجليل الدكتور عبد الستار إبراهيم إطلالة عامة على المراحل التاريخية التي مر بها علم النفس وكيف يتم إنتاج العلم داخل حقل علم النفس الحديث، وتقاطعات أبحاثه مع أطوار الإنسان العمرية المتواترة والمشاكل التي تعترض كل مرحلة، وعلاقته مع البيئة والمكان والمجتمع.
مؤلف كتاب الإنسان وعلم النفس
الدكتور عبد الستار إبراهيم: ولد بالأقصر عام ١٩٣٩، وتخرج في قسم علم النفس جامعة عين شمس، وحاز الدكتوراه من جامعة القاهرة، وعمل زميلًا زائرًا بجامعة ميشيغان بأمريكا، ومستشارًا نفسيًّا لعدد من العيادات النفسية في مصر والولايات المتحدة، ويعمل حاليًّا أستاذًا بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، وله بحوث منشورة في عدد من المجلات العربية والأجنبية، وله مؤلفات منها:
– علم النفس الإكلينيكي في ميدان الطب النفسي.
– السعادة في عالم مشحون بالتوتر وضغوط الحياة.