الإنسان المؤيد
الإنسان المؤيد
يقوم المبدأ الثالث على “تجديد النظرية التربوية الإسلامية في الإنسان بكليته”، فالمسلم يحمل رسالة وجودية لا يحملها غيره، وبين يديه قبلته، تلك القبلة التي تشكل جملة المقاصد والمُثل والقيم التي يحملها الإسلام للإنسانية، رغم ذلك لا يهتدي المسلم إلى الطريق الموصل إليها، حيث من تعيَّنت له قبلة يوصف “بالتسديد”، غير أن التسديد وحده لا يكفي، لذلك يحتاج المسلم إلى معرفة الطريق إلى ما سُدِّد إليه، حتى يتحقَّق فيه وصف “التأييد”.
فالإنسان المؤيد هو ذلك الإنسان الكوثر الذي يستثمر كل قواه وملكاته لتحقيق التكامل لذاته، كما جعل الإيمان يؤدي دورًا جوهريًّا، وينزله منزلة الأصل الذي تتفرَّع عليه كل الأدوار، كما أن إبداع هذا الإنسان المؤيد “إبداعٌ مثوَّر” حيث يستحضر المبدع في نفسه صورًا أو تخيُّلات مخالفة لما هو موجود بين يديه، ينزلها للواقع كبدائل لواقع لا يرضيه، منعطفًا بها نحو واقع يرضيه.
ويقوم المبدأ الرابع من النظرية التربوية على “الاشتغال بإحياء روح المتعلم المسلم”، وذلك من خلال “مبدأ الربط” الذي يقتضي (أن كل فعل إدراكي موصول بالقلب أيًّا كان هذا الفعل)، في مقابل المبدأ الحداثي القائم على “التفريغ” الذي يفصل بين الروح والقلب، وقد تأثَّر علماء الإسلام حديثًا بالكلام عن “العقل والفكر”، مما دفعهم من حيث لا يشعرون نحو علمنة الخطاب الديني، مثلما تأثر القدماء بفلسفة اليونان مما جعلهم يفصلون بين السمع والعقل، فجعلوا السمع مرادفًا للشرع في مقابل العقل.
وقد القرآن نسبَ “العقل” إلى الروح أو القلب، فالعقل والنظر أفعال يقوم بها القلب، وليس كما تقرَّر في الخطاب الديني المعلمن، من أن العقل جوهر قائم بذاته في داخل الإنسان، فالفصل بين العقل والقلب هو تجزئة لمدارك الإنسان، وتضييق لآفاق العقل.
الفكرة من كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
تعرضت مفاهيم تربوية كثيرة وأحكام دينية للتحريف والتحوير، حتى أصبح المُسلم المعاصر يُسلِّم بوعي أو دون وعي للمفاهيم الحداثية (العَلمانية) أو (العلموية) وغيرهما، وبناءً على ذلك يرى طه عبد الرحمن بوجوب قطع الصلة بذهنية “الإنسان الأبتر” مقطوع العطاء، معطل الإرادة، المنقطع عن تراثه ولغته ودينه، وإنشاء ذهنية “الإنسان الكوثر” كثير الخير، دائم العطاء، المتواصل مع تراثه ولغته ودينه، وذلك عن طريق تأسيس نظرية “فلسفية تربوية إسلامية” تقوم على العقل المؤيد الموصول بالشرع، والمسدد بمقاصده الشريفة، الناتجة عن تفاعل اللغة والعقيدة في عقل المسلم، واضعة نصب أعينها أن كل منقولٍ حداثي مُعترَض عليه حتَّى تُعاد صِلته بالحقيقة الدينية.
مؤلف كتاب من الإنسان الأبتر إلى الإنسان الكوثر
الفيلسوف المغربي المجدد طه عبد الرحمن، متخصِّص في علم المنطق وفلسفة اللغة والأخلاق، أحد أبرز الفلاسفة والمفكرين منذ سبعينيات القرن الماضي، كتب عشرات الكتب، منها: “العمل الديني وتجديد العقل”، و”سؤال الأخلاق”، و”روح الحداثة”، و”بؤس الدهرانية”، وغيرها.