الإمام وعباس حلمي.. فخ الإصلاح ومستنقع السياسة
الإمام وعباس حلمي.. فخ الإصلاح ومستنقع السياسة
لم تترك السياسة الإمام ليحقِّق مآربه، رغم قصره أنشطته على التعليم وإصلاحه، ولما تولى عباس حلمي الثاني الخديوية أتى إلى الإمام من هذه الناحية، وأظهر له بغضه للاحتلال وممارساته، وبيَّن له انفتاحه للإصلاح والتجديد بعيدًا عن أيادي الإنجليز، وقد أحسن الإمام الظن به ودلَّه على مكمن المرض في الأزهر، وأذن له الخديوي بممارسة صلاحياته ودعمه، وبدأ الإمام ما كان يتوق إليه طيلة عمره، مثلما أوضحنا من قبل، ولكن الذي لم يخطر على بال الإمام أن يستغله الخديوي كوسيلة للضغط على الاحتلال والتنافس على السلطة، وأن هموم الإصلاح والتجديد غير محبَّذة لديه أصلًا، وما إن وصل عباس إلى اتفاق مع الإنجليز حتى نُحِّي الإمام وعادت الأمور إلى ماضيها، وبدأت الأوساط الصحفية في حملة للتشهير به وتفسير إصلاحاته كإفساد للدين والأزهر، ومن يدَّعي هذا؟ الخديوي المسالم للاحتلال والمعتدي على أوقاف الأمة.
لم يكن الأستاذ محمد عبده كريمًا في جانبه التربوي فقط، بل كانت هذه الخصلة مطبوعة فيه، ويروي تلاميذه عنه هذه المواقف التي تظهر رحمته وإحسانه، فقد كان يُخلِص النصح لهم ويعينهم على معيشتهم، واستفاد جميع المثقفين في عصره من حركته للحث على طباعة الكتب القديمة وإحياء علوم العربية، وإرساله هذه الكتب إلى أقاليم مصر المُهمَلة.
اشتُهر أيضًا عن الإمام مذهب مستقل في الفلسفة والعقائد، لا يفضِّل فكرًا على آخر، ولكنه يدرس ويقرأ لأعيان أئمة هذه المذاهب ثم يُعمِل عقله فيما حصل منها وينقد أو يتفق معها، وقد مكَّنته تلك الموسوعية من مضمار آخر للدعوة لم ينتبه له العقل المسلم المُكبَّل في ذلك العصر، فقد كانت المناظرات بين الإسلام والنصرانية معروفة والرد على مناظريها يسير، أما الفلاسفة الغربيون الحداثيون المهووسون بالقوة والغلبة، فلم يجدوا مجابهًا لهم مطلعًا على الفلسفة الأوروبية الحديثة، حتى اقتحم عليهم الإمام هذا الميدان وردَّ عليهم حججهم.
الفكرة من كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
الأستاذ محمد عبده الإمام المُجدِّد والأديب المُصلح، هو من تلك الشخصيات التي تترك أثرها أينما ذهبت، وتصبغ زمنها بطبيعتها ولا يعود المجتمع بعدها كما كان قبلها، شاء الله أن يُعاصر الإمام محمد عبده عصر السياسة في تاريخ مصر الحديث، وأن يستشف الخفي منها في بواكير حياته، حتى ينفر منها كليةً، ويدخل إلى ميدان آخر سيشهد على أثره، ويؤدي فيه الإمام ما عليه لدينه ودنياه، هنا يركِّز الأستاذ العقاد بشدة على أحوال العصر الذي كان فيه الإمام، ليوضِّح العواقب التي اضطر إلى مجابهتها، والفارق الذي أحدثه فيه بحركته ونشاطه.
مؤلف كتاب عبقري الإصلاح.. محمد عبده
عباس محمود العقاد: وُلد في أسوان عام 1889 م، ونشأ في أسرة فقيرة، فلم يتعدَّ في تعليمه المرحلة الابتدائية، ولكنه اعتمد على ذكائه في تكوين ثقافة موسوعية، وتعلَّم اللغة الإنجليزية في طفولته من مخالطته الأجانب الزائرين لأسوان.
اشتغل بالسياسة في فترة من حياته، وانتُخِب كنائب للبرلمان ثم سجن تسعة أشهر بتهمة “العيب في الذات الملكية”، عُرِفَت عنه معاركه الأدبية مع كبار مفكري عصره مثل: الرافعي وطه حسين، وقد أسَّس مع عبدالقادر المازني وعبدالرحمن شكري “مدرسة الديوان” الشعرية.
للعقاد العديد من المؤلفات والدواوين الشعرية نذكر أهمها:
سلسلة العبقريات.
كتاب “ساعات بين الكتب”.
كتاب “التفكير فريضة إسلامية”.
ديوان “أعاصير مغرب”.
ديوان “عابر سبيل”.