الإلحاد وتأليه الإنسان
الإلحاد وتأليه الإنسان
انتشر في الفضاء الأوروبي فكرة أن الدين الموروث هو المسؤول عن كل صنوف التزمُّت والجهل والشر في العالم، ومن ثم لا بدَّ من التخلص من الأديان بكل معتقداتها، واستفاد أصحاب المذهب الإنسانوي من انتشار نزعة الشك وانتشار الفكر الإلحادي واللا أدري في الفضاء العام، والدعوة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يوجه اهتمامه إلى الأمور الدنيوية ولا يشغل نفسه بما يقع خارج هذا النطاق، وعدم الالتفات إلى فكرة الجزاء الأخروي والجنة والنار.
وساعد على سرعة انتشار فكر الإنسانوية غرور الإنسان بما اكتشفه من أسرار الكون، والركون إلى الرؤى والقيم الذاتية بدلًا من القيم والمفاهيم الدينية، وأدى ازدياد الاكتشافات العلمية إلى نقد الدين بالاحتكام إلى النظريات العلمية، لا سيما نظرية التطور، وتهكَّم آخرون بكل ما هو ديني لاعتقادهم أن التقدم يُعد مستحيلًا في ظل الدين، وعليه لم يعد لديهم اختيار سوى التضحية بالدين وكل ما هو ذو قدسية، حيث أصبح من أهم أهداف الدين الإنسانوي على حد تعبير مفكريه: (نقل المقعد من الله إلى الإنسان).
ومع مجيء عصر النهضة، تأسست فلسفة جديدة تُحِل الإنسان محل المركز من الوجود، وتمجد الإنسان بشكل يشابه إلى حد كبير الطريقة التي يمجد فيها الدين الخالق، وبذلك صار البشر يؤولون من عبادة إله واحد إلى آلهة متعددة باعتبار أن كل شخص إله بحد ذاته، حيث يضع المرء نفسه على عرش الإله عن طريق نرجسيته ورغباته، وصورت اللاءات الأربع مدى تأليه الإنسان لنفسه حيث لا سلطة فوق الذات، ولا قيم أخلاقية إلا عن طريق معرفة الذات، ولا سعادة إلا من طريق إشباع الذات، ولا حقيقة إلا من طريق معرفة الذات.
ووصلت درجة تأليه العقل إلى تجنُّب العاطفة واعتبار الإنسان مصدر المعرفة الأوحد، باختصار أصبحت الإنسانوية تعني الإلحاد، ويجدر التنبيه إلى أنه ليس كل من طرأ عليه الفكر الإنسانوي أصبح ملحدًا منكرًا للخالق بالضرورة، ولكنها النتيجة الحتمية للكثيرين، ومنهم من لا ينكر وجود الخالق، ولكنه ينكر وجود النبوات والحاجة إلى الشرائع المنزلة مثل الربوبيين، وهو في جوهره ضرب من ضروب الإلحاد.
الفكرة من كتاب الإنسانوية المستحيلة
ما المقصود بالنزعة الإنسانوية، وما أهم المحطات الفكرية المتعلقة بها، وما علاقة الدين الإنسانوي بالإلحاد والداروينية، ما موقع الإنسان في كلٍّ من الدين الإنسانوي والإسلام؟
في هذا الكتاب، يستعرض الكاتب أهم المحطات الفكرية المتعلقة بالنزعة الإنسانية كمنهج حياة وتشريع، ودعوتها إلى إخراج الإنسان من أية قيود إلهية، ونظرتها إليه على أنه كائن تقوده شهواته وإغفالها للحياة ما بعد الموت، وإلغاء الاعتبارات والمآلات القيمية والأخلاقية، مع مقارنة ذلك المنهج بما في الإسلام من توضيح حقيقي وعملي للإنسان.
مؤلف كتاب الإنسانوية المستحيلة
إبراهيم بن عبد الله الرماح: مهندس سعودي، حصل على بكالوريوس الهندسة الصناعية والنظم بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وحصل على بكالوريوس الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود، وحصل على ماجستير فقه السنة من جامعة المدينة العالمية، ودكتوراه الهندسة النووية من جامعة مانشستر.
من أهم مؤلفاته: بحث بعنوان “مفهوم العلم في القرآن”، و”علة الربا”، و”الاستشراق: المفهوم.. النشأة.. الدوافع”، وبحوث أخرى في تخصص الهندسة.