الإعراب العربي
الإعراب العربي
يقول بعض مؤرخي اللغات إن الإعراب العربي من آثار استخدام الحركة في التعبير عن المعاني؛ وهو خاصية فنية لم تنفرد بها العربية من حيث هذه الدرجة من الكمال والنضوج فحسب، بل وأيضًا من مظاهر الجمال والشعرية فيها، ويُعد الإعراب مزيَّة تختص بها العربية لأن قواعده مستوفاة أقسام الكلام حيثما وقعت بمعانيها ومبانيها، وهذا الإعراب المفصل هو آية السليقة الفنية في التراكيب العربية، إذ ليس للشعر الموزون أوفق من العبارات التي تنتظم فيها حركات الإعراب وتتقابل فيها أبواب الأوزان ومقاطع العروض مع علامات الإعراب.
كما أن هذه الحركات تجري مجرى الأصوات الموسيقية وتجعلها قابلة للتقديم والتأخير لا رص الكلمات كقوالب البناء الجامدة، لأن الإعراب يدل على معنى الكلمة مهما تغير موقعها من الجملة، وهذه الطبيعة الفنية تساعد النحاة على فهم الشعر، لأن هذه الميزة أسبق في قواعد الإعراب من مصطلحاتهم. يقول النابغة الذبياني:
فبتُّ كأني ساورتني ضئيلةٌ من الرَّقش في أنيابها السم ناقعُ
فلم يضر النابغةَ تأخيرُ الصفة إلى مكان القافية لأنها -وهي مرفوعة- لا تكون إلا صفة موافقة للموصوف أينما انتقل بها ترتيب الكلام، ويقول شوقي:
قطعوا بأيديهم خيوطَ سيادة كانتْ كخيط العنكبوت ضئيلًا
فكلمة “ضئيلًا” التي وصفت “سيادة” تَحمد للإعراب تلك الطمأنينة التي تستقرُّ بها في موضعها، فلا تضطرُّها الخيوط إلى الجمع، ولا تضرُّها السيادة إلى التأنيث، أي ليس عليه أن يقول: “كانت ضئيلة”، ولا عليه أن يقول “قطعوا خيوطًا ضآلًا”، لأن ليس الحال أصدق من لسان المقال.
الفكرة من كتاب اللغة الشاعرة
تنفرد اللغة العربية بأنها لغة شاعرة، ليس لأنها صالحة لنظم الشعر فحسب، بل لأنها بُنيَت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية، فهي بذاتها في جملتها منظوم منسق الأوزان لا ينفك عنها بأي حال من الأحوال.
في كتاب “اللغة الشاعرة” يطالعنا العقاد على أهم خصائص اللغة العربية وما تمتاز به عن سائر لغات العالم، وثراء حروفها ومفرداتها الفصيحة الصريحة التي تحمل بداخلها موسيقى خفية.
مؤلف كتاب اللغة الشاعرة
عباس محمود العقاد: كاتب وشاعِر، وفيلسوف، ومؤرِّخ، وصحفي، كان على رأس حقبة خصبة من تاريخ الفكر العربي في القرن العشرين، وعضوًا في مجمع اللغة العربية، وأسس مدرسة الديوان الشعرية مع صاحبيه المازني وعبد الرحمن شكري، واشتهرت معاركه الأدبية مع كبار أدباء عصره أمثال الرافعي وطه حسين وأحمد شوقي ومصطفى جواد، وقد ولد بأسوان عام ١٨٨٩ وتوفي عام ١٩٦٤.
من أهم مؤلفاته:
سلسلة العبقريات.
ساعات بين الكتب.
أنا (سيرة ذاتية).
التفكير فريضة إسلامية.