الإطاحة بمصدق.. نهاية عصر الأبطال
الإطاحة بمصدق.. نهاية عصر الأبطال
تلك الفترة الغريبة، أي بداية الخمسينيات، لم تمر بسلام على أيٍّ من دول الشرق، حتى في إيران، استطاعت الأيادي الأمريكية الطويلة، اقتلاع بذور نهضة أخرى، شعر الأطفال الإيرانيون في عام 1953 بالأجواء الحزينة في وجوه الكبار المصدومة، ولم يفهموا إلا أن رجلًا محبوبًا يُسمى “محمد مصدق” قد تم الغدر به، كانت آثار وكالة الاستخبارات الأمريكية والبريطانيين واضحة في العملية، وقد كان مُتوقعًا رد فعل ما من القوى الاستعمارية بعد تأميم رئيس الوزراء مصدق لصناعة النفط، لكن لم يتوقع أحد أن يكون الرد بذلك التدخُّل الجسيم في السياسة الإيرانية، وتحت أعين الشاه ورعايته، وبدأت الكراهية تتنامى أكثر بداخل الإيرانيين، مصوَّبة ناحية كلِّ من شارك في الإطاحة بمصدق، عاصرت شيرين عبادي تلك الفترة الساخنة في طفولتها، وقد كان والدها أحد الأفراد البارزين في حكومة مصدق، ولكن بعد إزاحته من السلطة ومحاكمته الهزلية، مُنِع كذلك من أي نشاط سياسي وأُبعد من المناصب الحكومية المهمة، اختفى فجأة كل شيء متعلق بالسياسة من حياة الإيرانيين، وقد فقدوا الأمل في التأثير السياسي، كذلك في عالم شيرين، أصبح حديث السياسة معدومًا في المنزل كما في الشارع.
لكن مع الخروج إلى الجامعة والتحاقها بكلية الحقوق، اكتشفت شيرين تلك الأجواء التي مُنِعت عنها في كل مكان، وجدت الطلاب منغمسين في دقائق السياسة وأحوال إيران، وبدأت مشاركتهم في مظاهراتهم المخادعة، حيث يهتفون ضد كل شيء يعارضونه، بينما لا تزيد الكلمات التي يقولونها عن الاعتراض على تكاليف الدراسة، يظهرون غضبهم فحسب ولكن ليس تجاه أحد في القمة، فقد كان “السافاك” شرطة الشاه السرية، تعتصر رقاب الإيرانيين، ولا تسمح لهم بأكثر من الأنفاس، رأت شيرين أيضًا ذلك المجتمع الغريب الذي يدَّعي الشاه أنه المجتمع الإيراني، وتلك الضواحي التي صنعها مبتغيًا نهضة، أو مظهرًا لنهضة، بمراكمة المنتجات الأوروبية، لقد أقام طهران جديدة ممتلئة بالمطاعم والسينمات الغربية، ولكنها لم تبدُ مناسبة إلا لتلك الطبقة الرفيعة التي لا يرى الشاه إلاها.
الفكرة من كتاب إيران تستيقظ: مذكرات الثورة والأمل
عاشت شيرين عبادي في فترة قلقة للغاية من تاريخ إيران الحديث، حيث شهدت المؤامرة على حكومة مصدق في طفولتها، وشاركت في الثورة الإسلامية في شبابها، وعاينت لبقية حياتها نتائجها التي سترسم ملامح دولة إيران الحالية، شاركت شيرين التيار الحقوقي في متابعة جرائم القتل خارج إطار القانون، وحاولت فضح أذرع الحكومة الخفية التي استخدمتها لقمع الحركة الإصلاحية في إيران؛ إنها سيرة بدأتها الثورة وكادت تنهيها.
مؤلف كتاب إيران تستيقظ: مذكرات الثورة والأمل
شيرين عبادي: محامية وقاضية، وناشطة حقوقية، وُلدت شيرين عام 1974م بمحافظة همدان، في أسرة معروفة بنشاطها السياسي، التحقت بكلية الحقوق في جامعة طهران وحصلت على شهادة في القانون، لتعمل كقاضية وترأس المحكمة التشريعية قبل الثورة، عملت بعد الثورة محامية حقوقية، وتولَّت العديد من القضايا التي أحدثت صدًى واسعًا، حصلت على جائزة نوبل في السلام عام 2003م.
معلومات عن المترجم:
حسام عيتاني: كاتب صحفي وباحث لبناني، وُلد في بيروت عام 1965 م حيث تلقى تعليمه الابتدائي، وأكمل تعليمه الجامعي في روسيا، عمل في جريدتي “السفير”، و”الحياة اللندنية”، له مُؤلَّف بعنوان: “الفتوحات العربية في روايات المغلوبين”.