الإصلاح الزراعي الليبرالي المضاد
الإصلاح الزراعي الليبرالي المضاد
بعد وفاة الرئيس عبد الناصر تولى الرئيس السادات الحكم في مصر، واتبع سياسة جديدة جوهرها (وأد الناصرية وتحرير السوق والخصخصة)، ومن أجل تحقيق ذلك تبنّى الإصلاح الزراعي الليبرالي للقطاع الزراعي، كما تصالح مع قدامى كبار الملاك الذين استولى الإصلاح الزراعي الناصري على أراضيهم ومنحها لصغار الفلاحين والفلاحين دون أرض، وتدريجيًّا رُفعت الإيجارات، ومُنحت للملاك إمكانية تحويل عقد الإيجار إلى عقد مزارعة يتضمن قسمة غير عادلة للتكاليف والمحاصيل، وإمكانية طرد الفلاح إن لم يدفع الإيجار بعد شهرين من تاريخ الاستحقاق، كما أعاد السادات 147 ألف فدان إلى الملاك القدامى الذين انتزعت منهم في الحقبة الناصرية، وبناءً على ذلك فإن كل المميزات التي حصل عليها صغار الفلاحين في الحقبة الناصرية قضي عليها بين عامي 1975م و1992م، وذلك عن طريق إصدار تشريعات تلائم متوسطي الملاك وكبارهم وكذلك لصالح السوق الحرة.
إضافة إلى ذلك كان هناك محوران أساسيان لتدعيم الإصلاح الليبرالي للقطاع الزراعي، المحور الأول هو التحرير الكامل لأسعار المدخلات كالكيماويات والأسمدة، وكذلك تحرير أسعار المنتجات الزراعية وإخضاعها لقواعد السوق الحرة، والتوجه نحو الزراعات ذات القيمة المرتفعة مثل الزهور وبعض الخضراوات والفاكهة لتصديرها للأسواق الأوربية والخليجية، المحور الثاني هو الإلغاء التدريجي لجميع أشكال الدعم المقدمة سواء لوسائل الإنتاج أو المنتجات الزراعية، كما تم إلغاء البيع الإجباري لبعض المحاصيل الاستراتيجية للدولة، وبناءً على ذلك تحررت زراعة القمح والفول ثم الأرز وهي زراعات مهمة بالنسبة إلى الاستهلاك المحلي، وكانت نتيجة هذه السياسات ارتفاعًا شديدًا في الأسعار، كما سجلت هذه الزراعات الاستراتيجية تقهقرًا في ما يخص المساحة المزروعة بها، نتيجة توجه المزارعين إلى زراعة المحاصيل ذات القيمة المرتفعة المصدرة إلى الخارج لجني الأرباح.
ونتيجة السياسة الليبرالية دخلت مصرُ منذ نهاية الثمانينيات في أزمة خطيرة على جميع المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، إذ بدأ الدخل القومي في الانخفاض بشكل تدريجي، وزاد الدين الخارجي لأكثر من الضعف، كما انخفض دخل العامل، وزادت نسبة البطالة لتصل إلى ضعف ما كانت عليه قبل تلك الإصلاحات، وكان متخذو القرار يعتقدون أنه لا بد من التضحية بجيل صغار الفلاحين البالغ عددهم 20 مليون فرد من أجل النمو الشامل للبلاد وضمان حياة أفضل للأجيال القادمة! لكن غفل هؤلاء عن أن التضحية بهذا العدد الكبير لن تحل المشكلة، بل سوف تفاقمها، لأن الفقر سوف ينتقل من الريف إلى الحضر والمدن، ومن قطاع الزراعة إلى جميع القطاعات الأخرى التي تشكل الاقتصاد القومي، وهو ما حدث بالفعل!
الفكرة من كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
يعتبر قطاع الزراعة في مصر واحدًا من أكثر القطاعات إنتاجية في العالم، ومع ذلك فإن مصر تعد أكبر المستوردين للمواد الغذائية والمنتجات الزراعية، كما يعد الفلاحون المصريون أكثر الفلاحين فقرًا في العالم، وهنا تكمن المفارقة، فغالبية الفلاحين يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أن مصر أمام مشكلة كبيرة تتمثل في عملية انقراض جماعة الفلاحين، وهو ما أصبح أمرًا حتميًّا لا مناص منه، ومن هنا يستعرض الكاتب الأسباب والسياسات التي تقف وراء فقر الفلاحين وتدهور أحوالهم بداية من النصف الثاني من القرن العشرين، وأهم السياسات التي يجب أن ينتهجها المسؤولون للحد من ظاهرة انقراض الفلاح.
مؤلف كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
حبيب عايب: جغرافي وباحث بمركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو متخصص في المشكلات الخاصة بالمياه والمجتمعات الريفية، له عدّة دراسات مقارنة في كل من مصر وتونس، وله عدد كبير من المقالات والكتب، كما شارك مع أوليفييه أرشمبو في إخراج فيلم تسجيلي بعنوان “تقاسم المياه على ضفاف النيل”، من كتبه:
Food Insecurity and Revolution in the Middle East and North Africa: Agrarian Questions in Egypt and Tunisia.
Agrarian Transformation in Arab World.
معلومات عن المترجمة:
منحة البطراوي: كاتبة وناقدة مصرية، تعمل ناقدة مسرحية في جريدة الأهرام الفرنسية، وكاتبة صحفية في الهندسة المعمارية والعمارة الداخلية في مجلة “البيت”، من ترجماتها:
التحضُّر العشوائي.
كما حررت كتاب:
الحِرف التقليدية في مصر بين التراث والاستلهام.