الإصلاح الزراعي الاشتراكي
الإصلاح الزراعي الاشتراكي
عرفت مصر الإصلاح الزراعي في الخمسينيات من القرن المنصرم، وكان التوجه منعقدًا على تطبيق التجربة الاشتراكية، ولم يكن الغرض الأساسي من الإصلاح الزراعي الذي قام به الضباط الأحرار هو مساعدة طبقة الفلاحين الفقراء، بل كان الهدف الرئيس هو الحد من سلطة كبار المُلاك الذين كانوا يسيطرون على المشهد المصري، إلى جانب تحويل جزء من رأس المال الزراعي إلى القطاع الصناعي وفق الرؤية اللينينية التي طبقت في الاتحاد السوفييتي، وفي إطار قوانين الإصلاح الزراعي التي طبقت في الحقبة الناصرية بين عامي 1952م و1970م أعيد توزيع 13.5% من الأراضي الزراعية في مصر على 9% من سكَّان الريف، ومع وجود مبدأ إشراف الدولة التعاوني على مجمل الأرض الزراعية، كانت وزارة الزراعة تحدد الخطة السنوية للزراعة والتسليم الإجباري لمحصول القطن وقصب السكر والأرز، وتحدد أسعار كل منتج منها، ما دفع بعض الفلاحين إلى زراعة الخضراوات والفاكهة ذات الأسعار غير المحددة، وكان نتيجة هذه الإصلاحات انخفاض الفقر الريفي حتى عام 1965م إلى النصف وارتفاع معيشة صغار الفلاحين والفلاحين دون أرض بشكل ملحوظ.
لكن هذا التطور الإيجابي لم يستمر طويلًا، إذ بعد عام 1965م بدأ الاتجاه سريعًا وبصفة مستمرة إلى وجهة سلبية، فتأثرت طبقة الفلاحين بانخفاض في دخلها، وتراجعت مستويات المعيشة، ما كشف عن وجود مشكلة جوهرية تتمثل في أنه لا يكفي أن يمتلك الفلاحون أراضي صالحة للزراعة، بل يجب أن تكون هذه الأراضي ذات مساحة وطبيعة تمكنها من تلبية احتياجات الفلاح الحالية وأسرته على المدى الطويل، ومن ثمَّ عند المقارنة بين الوضع قبل استيلاء الضباط الأحرار على السلطة عام 1952م وبين الوضع عام 1965م، نكتشف أن الهرم الاجتماعي للملاك قد انقلب، إذ تقلَّص في القمة واتسع في القاعدة، فعدد الذين كانوا يمتلكون ويزرعون (أقل من 5 أفدنة) ارتفع بشكل كبير، وأصبحوا يمتلكون 57% من الأراضي الزراعية بعد أن كانوا يمتلكون 35% منها في السابق، ومن ثمَّ خلق الإصلاح الزراعي تفوقًا للحيازات الصغيرة والشديدة الصغر.
وقد أدت الحيازات الصغيرة والقزمية إلى عدم قدرة الفلاح على أن يعيل نفسه وأسرته فضلًا عن جني الأرباح، لأنه غير قادر عمليًّا على الاستثمار فيها، ومن ثم فإن هذا التفتيت للأرض خلال الخمسينيات والستينيات لصالح الفلاحين الصغار والفلاحين دون أرض خلق مشكلة في قطاع الزراعة، وعادت تلك الحيازات اليوم لتكون حجة للمنطق الليبرالي الذي يرى أن الفلاحين الصغار هم الأزمة.
الفكرة من كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
يعتبر قطاع الزراعة في مصر واحدًا من أكثر القطاعات إنتاجية في العالم، ومع ذلك فإن مصر تعد أكبر المستوردين للمواد الغذائية والمنتجات الزراعية، كما يعد الفلاحون المصريون أكثر الفلاحين فقرًا في العالم، وهنا تكمن المفارقة، فغالبية الفلاحين يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أن مصر أمام مشكلة كبيرة تتمثل في عملية انقراض جماعة الفلاحين، وهو ما أصبح أمرًا حتميًّا لا مناص منه، ومن هنا يستعرض الكاتب الأسباب والسياسات التي تقف وراء فقر الفلاحين وتدهور أحوالهم بداية من النصف الثاني من القرن العشرين، وأهم السياسات التي يجب أن ينتهجها المسؤولون للحد من ظاهرة انقراض الفلاح.
مؤلف كتاب أزمة المجتمع الريفي في مصر نهاية الفلاح؟
حبيب عايب: جغرافي وباحث بمركز الدراسات الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، وهو متخصص في المشكلات الخاصة بالمياه والمجتمعات الريفية، له عدّة دراسات مقارنة في كل من مصر وتونس، وله عدد كبير من المقالات والكتب، كما شارك مع أوليفييه أرشمبو في إخراج فيلم تسجيلي بعنوان “تقاسم المياه على ضفاف النيل”، من كتبه:
Food Insecurity and Revolution in the Middle East and North Africa: Agrarian Questions in Egypt and Tunisia.
Agrarian Transformation in Arab World.
معلومات عن المترجمة:
منحة البطراوي: كاتبة وناقدة مصرية، تعمل ناقدة مسرحية في جريدة الأهرام الفرنسية، وكاتبة صحفية في الهندسة المعمارية والعمارة الداخلية في مجلة “البيت”، من ترجماتها:
التحضُّر العشوائي.
كما حررت كتاب:
الحِرف التقليدية في مصر بين التراث والاستلهام.