الإصلاح الاجتماعي
الإصلاح الاجتماعي
إن الإسلام دين الجماعة، جمعت تشريعاته بين المسؤولية الفردية والمسؤولية الاجتماعية والمجتمعية، فكما أن فيه فروضًا فردية تُسمَّى “فرض العين” وفيه “فروض الكفاية” التي إن أداها بعض الأمة كفتهم، ولو لم يؤدها أحد أثموا جميعًا، ومسؤولية الأمن في الإسلام اجتماعية لا يمكن أن تقف عند حدود الفرد، إذ لا يستقيم أمن الفرد الحقيقي ما لم يعم الأمن في ميادين الاجتماع والعمران فيكون الأفراد هم من يحققون الأمن.
يقول أبو الحسن الماوردي: “إن صلاح الدنيا يُعتبر من وجهين، أولهما ما ينتظم به أمور جملتها، والثاني ما يصلح به حال كل واحد من أهلها”، فالأمن الفردي والعام كلاهما متلازمان ولا صلاح لأيهما دون الآخر، وقد سبق أئمة الإسلام في الإشارة إلى هذا التلازم وأطلقوا مصطلح الأمن المطلق أو العام ويعنون به الاجتماعي والمجتمعي، وهو ما عرَّفه الماوردي بأنه: “أمن عام تطمئن إليه النفوس، وتنتشر به الهمم، ويسكن فيه البريء، ويأنس به الضعيف، فليس لخائف راحة، ولا لحاذر طمأنينة، وقد قال بعض الحكماء: الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش، لأن الخوف يقبض الناس عن مصالحهم، ويحجزهم عن تصرفهم، ويكفيهم عن أسباب المواد التي بها قوام أودهم، وانتظام جملتهم، والأمن المطلق ما عمَّ”.
الفكرة من كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
بين توُّحش الحضارة المادية بنظمها الرأسمالية أو الشمولية الشيوعية، التي أعطت الإنسان مطلق الحرية وجعلته سيدًا للكون يتصرَّف فيه كيفما شاء ويتملَّك دونما قيود، وبين زهد الدروشة والانصراف التام عن الدنيا، كان الإسلام منهجًا وسطًا لتحقيق الأمن الاجتماعي ليأمن الناس على معاشهم عن طريق تحقيق العدل المجتمعي، وفلسفة الإسلام في ذلك تأتي من نظرية “الاستخلاف”.
فالناس مستخلفون في ملك الله (عز وجل)، وكلاء عنه للتصرُّف في الموارد التي أوجدها لهم، وهذا لا ينزع حق التملُّك تمامًا وإنما يضع الضوابط عليه بما يحفظ اتزان المجتمع، يقول الإمام محمد عبده: “إن تكافل الأمة يعني أن مال كل واحد منكم هو مال أمتكم”، فنصيب الفقراء في أموال الأغنياء “حق”.
في هذا الكتاب يناقش الدكتور محمد عمارة مفهوم الأمن الاجتماعي وأهم مقوماته في الإسلام، وكيف نحقق العدل والتكافل الاجتماعي في المجتمع الإسلامي.
مؤلف كتاب مقوِّمات الأمن الاجتماعي في الإسلام
محمد عمارة (1931 – 2020): مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقِّق، كان عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، حصل على الليسانس في اللغة العربية والعلوم الإسلامية من كلية دار العلوم، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية، وعرف بمنهجه الوسطي الجامع.
ترك ميراثًا كبيرًا من الكتب يزيد على 140 كتابًا، منها تحقيق الأعمال الكاملة لعدد من أبرز الكتَّاب مثل الطهطاوي والأفغاني ومحمد عبده، كما ألَّف عن أعلام التجديد الإسلامي وعن التيارات الفكرية الإسلامية قديمًا وحديثًا، ومن مؤلفاته: “أزمة العقل العربي”، و”خطر العولمة على الهوية الثقافية”، و”الحضارات العالمية: تدافع أم صراع”، و”هل المسلمون أمة واحدة؟”.