الإسلام والعقل
الإسلام والعقل
إن الإسلامَ دينٌ يدخل في تفاصيلِ الحياة ليضبط للإنسان رؤيته، ويضبط سلوكه ودوافعه، وقد عرَّف الإسلام الإنسان أنه خليفة الله في الأرض، وأن دنياه طريق آخرته، يقول تعالى: ﴿إنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾، فأنزل الله سبحانه المنهج المتكامل ليهدي الإنسان ويصبُّ في غاية وجوده ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾، فصانع المنهج التربوي هو صانع الجهاز الآدمي ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾.
وبالتأمُّل في هذا المنهج الجليل نرى أن الإسلام اهتمَّ بالعقل اهتمامًا كبيرًا، فالعقل لا يُذكر في القرآن إلا في مقام التنبيه بوجوده وأهمية العمل به ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ﴾، كما أن الإسلام ضبط العقل وعرَّف له دوره تحديدًا، ووضع له القواعد والأصول التي ينطلق منها، فالعقل ليس حاكمًا على الدين، بل له الاجتهاد في إدراك المدلولات وفهم التشريع، فإذا عرف فليس أمامه سوى التسليم.
كما أن الإسلام جعل العقل مناط التكليف، لذا اهتمَّ الإسلام بتفريغ العقل من كل التصوُّرات الباطلة التي لا تتفق مع الحق، فصحَّح للعقل تصوُّراته عن الألوهية والكون والحياة، فلنتأمَّل مثلًا كيف صحَّح القرآن التصوُّر عن الألوهية؟ أولًا يقرِّر القرآن وحدانية الإله بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ﴾، ويقرِّر تفرُّده سبحانه بالمُلك ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ﴾، ويقرِّر تفرُّده بالخلق ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ﴾، وليس الإله اثنين ﴿وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَٰهَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ﴾، وليس الإله ثلاثة ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثلاثة﴾، كما يقدِّم الأدلة لإقناع العقل بحقيقة التوحيد ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾، كما يذكر القصص الدالَّة على وحدانية الله تعالى كما في قصَّة إبراهيم (عليه السلام) مع أبيه وقومه، وبهذا يطوف القرآن مع العقل لكشف أي ضلال، ليكون عقل المُسلم عقلًا صحيحًا سليمًا.
ولو تأمَّل القارئ القرآن وكيف دعا الإنسان ليتأمَّل في نفسه، وفي الكون، وفي الأمم السابقة، وفي سنن الله الكونية والقدرية، لأدرك دور العقل الصحيح في تحقيق الهُدى، وتأهيل القرآن له ليكون خليفة الله في الأرض.
الفكرة من كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
كثرت المُؤلفات في مجال التربية وصناعة الإنسان، وانطلق المؤلفون بالكتابة في هذا المجال من مُنطلق مفهومهم عن الحياة، إلَّا أن الله (عز وجل) لم يخلق الإنسان ويتركه سُدًى، بل أنزل إليه كتابه وقال فيه ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، فحين تخلَّى الناس عن القُرآن، اتجهوا إلى الشرق والغرب في محاولة لمعرفة الإنسان ومعرفة الطُرق تربيته.
انطلق كاتِبُنا في محاولة لاستمداد منهج القرآن الكريم في تربية الإنسان، في محاولة لمعرفة كيف يُربِّي القرآن العقل، والجسم، الروح؟ وكيف يضبط القرآن الدوافع الفطرية في الإنسان، فيجعلها وسطًا فلا يكبتها أو يتركها تتحكَّم به.
مؤلف كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
الدكتور عبد الرحمن عميرة: مفكر وباحث عربى، حقَّق عددًا من كتب أئمة السلفية، فقد قام بتحقيق كتاب “تفسير فتح القدير” للإمام الشوكاني، وكتاب “الرد على الجهمية والزنادقة” للإمام أحمد.
من مؤلفاته: “رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنًا”، و”المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها”، و”الطريق إلى الله”.