الإسلام والروح
الإسلام والروح
إن الروح سر من أسرار خلق الله، يقول عنها ربُّ العالمين: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾، فهي تدخل في الغيب الذي لا تستطيع العقول إدراكه، لذا كان لزامًا أن نُسلِّم بها.
إن الروح أكبر مُحرِّك للإنسان، فبها ينتقل الإنسان من واقع الحس إلى الغيب، وبها يُهاجر العبد إلى مولاه، وقد وردت الروح في القرآن على أوجه مختلفة، منها قوله تعالى: ﴿وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾، فهي هنا بمعنى الرحمة، وفي قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾، بمعنى القرآن والوحي، ولكن حين نتأمَّل قوله تعالى ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ نجد أن الله (عز وجل) حين خلق الإنسان من الطين اللزج نفخ فيه نفخة علويِّة ميَّزته عن باقي الأحياء، هذه النفخة التي تصله بالملأ الأعلى، وتجعله أهلًا للوقوف بين يدي الله والتلقِّي عنه.
ومنهج القرآن في تربية الروح يبدأ بتحرير تلك الروح من أمراضها الظاهرة والباطنة، ويكون ذلك عن طريق التوبة، فالتوبة هي عودة العبد بقلبه إلى مولاه، لذلك يدعو الله (عز وجل) عباده: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
كذلك الصلاة فهي أجلُّ الأمور وأعظمها في الترقِّي بتلك الروح، كيف لا؟ وقد فُرضت خصيصًا في المعراج وحدها دونًا عن بقية الفرائض، فتعرف الصلاة بأنها الصلة بين العبد وربِّه، وهي الرابط الذي يربط الأرض بالسماء، ولهذا يقول الله تعالى لنبيِّه مُحمد (صلى الله عليه وسلَّم): ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب﴾، أي اقترب من الله بسجودك.
ومن وسائل القرآن في تربية الروح: توجيه العبد إلى حب الله، يقول تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا﴾، وحتى يزداد حب العبد لمولاه عليه أن يوجِّه قلبه إلى التأمُّل في إبداع خالق الكون والحياة، يتأمَّل في آثار رحمته وعلمه.
وتأتي الخطوة الأخيرة في تربية الروح، وهي أن يُبشِّر الله عباده المؤمنين أنه قريب منهم: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ﴾، فحينما يؤدي الإنسان عمله فهو معه ربه، فهو لا يتعامل مع مجتمع، بل يتعامل مع الله (عز وجل).
الفكرة من كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
كثرت المُؤلفات في مجال التربية وصناعة الإنسان، وانطلق المؤلفون بالكتابة في هذا المجال من مُنطلق مفهومهم عن الحياة، إلَّا أن الله (عز وجل) لم يخلق الإنسان ويتركه سُدًى، بل أنزل إليه كتابه وقال فيه ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، فحين تخلَّى الناس عن القُرآن، اتجهوا إلى الشرق والغرب في محاولة لمعرفة الإنسان ومعرفة الطُرق تربيته.
انطلق كاتِبُنا في محاولة لاستمداد منهج القرآن الكريم في تربية الإنسان، في محاولة لمعرفة كيف يُربِّي القرآن العقل، والجسم، الروح؟ وكيف يضبط القرآن الدوافع الفطرية في الإنسان، فيجعلها وسطًا فلا يكبتها أو يتركها تتحكَّم به.
مؤلف كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
الدكتور عبد الرحمن عميرة: مفكر وباحث عربى، حقَّق عددًا من كتب أئمة السلفية، فقد قام بتحقيق كتاب “تفسير فتح القدير” للإمام الشوكاني، وكتاب “الرد على الجهمية والزنادقة” للإمام أحمد.
من مؤلفاته: “رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنًا”، و”المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها”، و”الطريق إلى الله”.