الإسلام والجسد
الإسلام والجسد
ينظر الإسلام إلى الجسد أنه الوسيلة التي يقوم بها الإنسان لتعمير الكون، وأداء الفرائض، والدفاع عن الشريعة، لذا يحرص القرآن دومًا على تحقيق التوازن والعدل في الاحتياجات المادية والاحتياجات الروحية، فهو ليس كالبوذية مثلًا التي كبتت حاجات الجسد لتُعلي شأن الروح، وليس كالمادية الشيوعية التي عملت على كبت الروح لتُعلي من شأن المادة.
فمنهج القرآن يُقدِّم ما ينفع البدن ويجنِّب ما قد يؤذيه، فيقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
فالطعام وسيلة لإمداد الإنسان بالطاقة اللازمة لطاعة الله (عز وجل)، وللدفاع عن نفسه، وعن وطنه، لذا نجد في القرآن التنبيه إلى عدم الإسراف، وألا يأكل حتى التخمة، وألا يزيد في الأكل عن طاقته ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾، كذلك ينبغي أن يبدأ الإنسان طعامه وشرابه باسم الله، حتى عند ذبحه يجب أن يذكر اسم الله عليه.
ومن الحاجات الجسدية؛ الطاقة الجنسية التي تسهم في استمرار الجنس البشري، فمنهج الإسلام لا يغفل عنها وعن أثرها في حياة الإنسان، فلا يعتبرها ينبوع الخطيئة كالرهبانية، ولا وحدها الطاقة المُحرِّكة للإنسان كما يدَّعي فرويد، ولا مسألة بيولوجية تُؤدَّى بين اثنين على قارعة الطريق كما يعتبر دعاة المدنية الحديثة، وإنما هو دافع نظيف له وظيفته المُحددة ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ﴾، فلفظ “الحرث” يعبِّر عن واقع النماء، كما أنه وسيلة السكن والمودَّة ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾، ولذلك فهو يحفظه، فالجنس في الإسلام لا يتمُّ إلا بميثاقٍ غليظ يحفظ للزوجين حقَّهما.
وقبل ذلك فإن القرآن يُربِّي المُسلم على غضِّ البصر فيقول الله تعالى: ﴿قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾، وللنساء ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾، وبهذا يُحفظ الإنسان بفطرته السويَّة.
الفكرة من كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
كثرت المُؤلفات في مجال التربية وصناعة الإنسان، وانطلق المؤلفون بالكتابة في هذا المجال من مُنطلق مفهومهم عن الحياة، إلَّا أن الله (عز وجل) لم يخلق الإنسان ويتركه سُدًى، بل أنزل إليه كتابه وقال فيه ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾، فحين تخلَّى الناس عن القُرآن، اتجهوا إلى الشرق والغرب في محاولة لمعرفة الإنسان ومعرفة الطُرق تربيته.
انطلق كاتِبُنا في محاولة لاستمداد منهج القرآن الكريم في تربية الإنسان، في محاولة لمعرفة كيف يُربِّي القرآن العقل، والجسم، الروح؟ وكيف يضبط القرآن الدوافع الفطرية في الإنسان، فيجعلها وسطًا فلا يكبتها أو يتركها تتحكَّم به.
مؤلف كتاب منهج القرآن في تربية الرجال
الدكتور عبد الرحمن عميرة: مفكر وباحث عربى، حقَّق عددًا من كتب أئمة السلفية، فقد قام بتحقيق كتاب “تفسير فتح القدير” للإمام الشوكاني، وكتاب “الرد على الجهمية والزنادقة” للإمام أحمد.
من مؤلفاته: “رجال ونساء أنزل الله فيهم قرآنًا”، و”المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها”، و”الطريق إلى الله”.