الإسلام مرآة فرنسا ترى من خلاله أزمة هويتها

الإسلام مرآة فرنسا ترى من خلاله أزمة هويتها
العلمانية الفرنسية حررت الدولة والمجتمع الفرنسي من تأثير الكنيسة الكاثوليكية، وتدخُّل رجال الدين في أمور الدنيا، فهي مبدأ قانوني مكون من مجموعة قوانين، كون الذي يُحدد ما يُفرض على المواطنين هو البرلمان، بواسطة القانون والمحاكم، كما أن العلمانية الفرنسية لها مبدأ سياسي موسوم بالقِتال والعُنف الكلامي، وهذا ما نراه في السجال الدائر بينها وبين الإسلام اليوم.

فعند الحديث عن العلاقة بين الإسلام والعلمانية يخطر بالبال دائمًا التماثل أو التعارض مع المسيحية؛ ويرى أوليفييه أنَّ العلمانية على الطريقة الفرنسية قامت ضد الكنيسة الكاثوليكية، وليس ضدَّ الديني بالضرورة، وأنه إذا ما أريد الخروج من الديني، فلا يجب أن تُنصَّب العلمانية الفرنسية دينًا.
وأنه بعد زوال انقسام دام قرنين من الزمان بين الجمهورية الفرنسية والكنيسة الكاثوليكية، وذلك بقبول الكنيسة للعلمانية سياسيًّا وليس لاهوتيًّا، ظهر انقسام جديد طرفه الإسلام، لذا لا يصح القول إن المسيحية موافقة للعلمانية حتى نقول إنَّ الإسلام أكثر عداءً للعلمانية من المسيحية؛ كما أنَّ العلمانية نصبت العداء لرجال الدين المسيحي، وهذه الفئة -رجال الدين- لا توجد في الإسلام، فلا يوجد في الإسلام من يتم نعتهم برجال الدين.
ومن هنا تعيش العلمانية الفرنسية أزمة هوية من خلال الإسلام، لأن العقيدة الإسلامية تطرح مشكلة بالنسبة إلى العلمانية الفرنسية لم تكن تطرحها المسيحية، ولذلك تريد الدولة الفرنسية إسلامًا ليبراليًّا، بل أكثر من ذلك هي تريد إسلامًا مُعلمنًا.
وفيما يخص فرنسا فالدفاع عن العلمانية أكثر من أي يوم مضى دفاع عن الهويَّة الفرنسية، ويظهر ذلك في أن العلمانية الفرنسية تشعر بخوف مميَّز تجاه الإسلام باسم تعارض مزعوم بين الإسلام والقيم الغربية، لذلك يريدون مسلمين علمانيين، كما أن شعار الإسلام على الطريقة الفرنسية معناه تفريغ الدين الإسلامي من تساميه وقيمه المطلقة.
الفكرة من كتاب الإسلام والعلمانية
إن المشكلة في فرنسا ليست في الإسلام ذاته، بل في إشكال عودة الدين الإسلامي المُعاصر المُغرَّب، حيث كان مُسلمو السبعينيات صامتين، ومع بداية التسعينيات شرَعَ المسلمون في الكلام بصفتهم مسلمين، ومن هنا أصبح يُنظر إلى الإسلام كونه عاملًا كامنًا قادرًا على إحداث تغيير جذري في المجتمع الفرنسي، لذلك تريد فرنسا إسلامًا علمانيًّا، ومسلمين علمانيين، أي إسلامًا على الطريقة الفرنسية، فحين تنظر فرنسا في مرآة الإسلام ترى أنها تعيش أزمة هويَّة.
مؤلف كتاب الإسلام والعلمانية
أوليفييه روا Olivier Roy: كاتب وباحث فرنسي، متخصص في الشؤون الإسلامية.
صدر له عدد من الكتب، منها:
الجهل المقدس.
عولمة الإسلام.
تجربة الإسلام السياسي.